هو البادئ بالتحدي وباجتياز الحدود المتفق عليها. وكان السلطان قد استعان بمجموعة من الضباط البروسيين لتنظيم الخطط الحربية للجيش العثماني وإقامة تحصيناته وإعداد وسائل دفاعه وهجومه على أحدث النظم الأوربية. وهكذا أخذ الجيش العثماني يواصل استعداداته وبناء استحكاماته في نصيبين حتى إذا انتهى من ذلك بدأ قائده يدس الدسائس ضد إبراهيم تمهيداً للاشتباك في موقعة فاصلة حاسمة.
وأدرك إبراهيم حقيقة الموقف فلم يأل جهداً في الاحتياط وفي تنسيق خطته هو الآخر؛ حتى إذا أشار عليه محمد علي بتأديب العدو وتعقبه كتب إلى حافظ باشا يقول:(إذا كنتم قد تلقيتم الأمر باستئناف القتال فما بالكم تدسون الدسائس؟ هلموا إلى ميدان القتال بصراحة وخوضوا غمرات الحرب كما يجب أن تخاض).
كان جيش العثمانيين يبلغ حوالي أربعين ألف مقاتل وكذلك كان جيش إبراهيم. وكان يقود الجيش العثماني حافظ باشا ويعاونه أركان حربه من كبار الضباط البروسيين وكان من بينهم هلموت فون ملكته (الذي قاد فيما بعد الجيش الألماني فهزم به فرنسا أثناء الحرب السبعينية المشهورة وخلد ذكره في موقعة سيدان) وكان من بينهم فون ملباخ. وعلى ذلك يمكن القول أن الجيش العثماني كان يمتاز على جيش إبراهيم بأركان حربه الألمان، وبقوة استحكاماته في نصيبين، وبخبرته بميدان القتال، وبابتداء الهجوم والعدوان، وبوفرة الجند والذخائر. أما إبراهيم فكان يعتمد على حماسة الجيش المصري وتماسك أفراده وشجاعة جنوده وحبهم للطاعة والنظام ثم على عبقريته الحربية كقائد.
وأيقن إبراهيم أن عليه إذا أراد النصر أن يفاجئ الجيش العثماني قبل أن يفاجأ هو بالهجوم. وكان الجيش المصري مرابطاً في الغرب من نصيبين. وأدرك إبراهيم أن الهجوم على العثمانيين في نصيبين مع التعرض لاستحكاماتها مجازفة خطيرة، لذلك قرر مهاجمتها من جهتها الشرقية بعيداً عن الاستحكامات المقامة في غربها. وقام إبراهيم بالالتفاف بجيشه جنوب نصيبين حتى وصل إلى شرقها وعبر في سبيل ذلك القنطرة المقامة على النهر ثم بدأ ينظم موقعة في شرق المدينة. والواقع أن إبراهيم وهو صاحب فكرة القيام بحركة الالتفاف هذه كان يدرك مدى خطورتها إذ كان يحتمل أن يخرج العثمانيون من استحكاماتهم لمهاجمته أثناء القيام بها في الجنوب من نصيبين أو أثناء عبوره القنطرة المقامة على