للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النهر؛ لذلك أتقن تلك الحركة وقام بتنفيذها بمنتهى الدقة والحرص والنظام حتى قال الضباط الألمان عنها فيما بعد: (لقد كانت حركات الجيش المصري تسير طبقاً لخطط الجيوش الأوربية المدربة على أرق فنون القتال العلمية).

وكما كان النجاح في تنفيذ تلك الحركة دليلاً على دقة إبراهيم وسرعة بديهته وحسن تصرفه وانتهازه للفرص وإدراكه الصحيح لما يتطلبه الموقف؛ نجدها أيضاً كانت دليلاً على جمود الجيش العثماني وجمود قائده وتردده في انتهاز فرصة الهجوم على الجيش المصري أثناء التفافه معارضاً بذلك نصيحة مستشاريه الألمان الذين غضبوا فقدموا استقالاتهم ولم يسحبوها إلا حين قيل لهم: (إن الجندي لا يستقيل قبل الموقعة). لقد كانت خطة حافظ باشا ترمي إلى تفضيل البقاء في نصيبين بدلاً من القيام بالهجوم في تلك المنطقة المكشوفة، ولذلك أخذ في إقامة استحكامات جديدة وعلى عجل في الجهة الشرقية حتى يعتمد عليها جيشه أثناء الموقعة.

ونظر إبراهيم فوجد القائد العثماني في تسرعه قد أهمل تحصين أكمة مرتفعة تجاه جناح جيشه الأيسر، وتقع في الشمال الشرقي من نصيبين. عند ذلك اغتنم تلك الفرصة فأرسل فرقة من جيشه فاحتلتها وبدأت تقيم فيها الاستحكامات وتنصب المدافع. ولم يتنبه حافظ باشا إلى أهمية تلك الأكمة غلا بعد فوات الأوان فأرسل فرقة عثمانية لاسترجاعها ولكنها ردت في الحال على أعقابها.

وواجه إبراهيم بجيشه شرق نصيبين وأدرك أن الجيش العثماني قد ركز قوته كلها في الميمنة والقلب. ولذلك كانت ميسرته أضعف جهاته. وكانت الأكمة التي أحتلها إبراهيم قد كشفت ذلك الجناح بأسره فجعلته تحت رحمته. وفي ذلك الحين أدرك إبراهيم أهمية احتلال تلك الأكمة كما أدرك ذلك أعداؤه، لاسيما المستشارون الألمان الذين قالوا عنها فيما بعد: (لقد كانت حركة احتلال الأكمة هي مفتاح النصر في هذه الموقعة).

عند ذلك قرر إبراهيم تركيز الهجوم على الميسرة في الوقت الذي يهاجم فيه العدو من جميع الجهات.

وبدأت الموقعة، ودوى صوت المدافع، واشتد الضرب من الجانبين وسقط القتلى والجرحى واستبسل العثمانيون. وتقدمت في أثناء ذلك ذخيرة المدفعية المصرية، فخفتت أصواتها

<<  <  ج:
ص:  >  >>