فقال:
تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم ... إلا على شجب والخلف في الشجب
فقيل: تخلص نفس المرء سالمة ... وقيل تشرك جسم المرء في العطب
ومن تفكر في الدنيا ومهجته ... أقامه الفكر بين العجز والتعب
وهنا نجد الطريق ممهداً للحديث عن هدف الأدب، والحق أننا نقف بهذا الهدف عند حد الإثارة الوجدانية، فلا نطلب منه أن يمدنا بأفكار صادقة عن الحياة، ولا أن يثير فينا النزوع إلى الأعمال الصالحة، أي أن ليس مهمته التعليم والإصلاح، وإن كان ذلك لا يمنع من أن يزودنا بالأفكار، أو أن يحرك إرادتنا للعمل، سواء أكان ذلك مقصوداً للأديب أم غير مقصود؛ فقد يقف الأدب عند حد الإثارة الوجدانية فحسب، كما في أدب الطبيعة، وشعر الغزل وكثير من المرائي والرسائل، والمقالات العاطفية المحضة، مثل قول البحتري:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً ... من الحسن حتى كاد أن يتكلما
وقد نبه النيروز في غسق الدجى ... أوائل ورد كن بالأمس نوَّما
يفتقها برد الندى فكأنه ... يبث حديثاً كان قبل مكتما
فمن شجر رد الربوع لباسه ... عليه، كما نشرت وشياً منمنما
أحل، فأبدى للعيون بشاشة ... وكان فذى للعين إذ كان محرما
ورق نسيم الريح حتى حسبته ... يجيء بأنفاس الأحبة نسما
وقول العشيري:
حننت إلى ريَّا ونفسك باعدت ... مزارك من ريا وشعباكما معا
فما حسن أن تأتي الأمر طائعاً ... وتجزع أن داعى الصبابة أسمعا
قفا ودعا نجداً، ومن حل بالحمى ... وقل لنجد عندنا أن يودعا
بنفسي تلك الأرض ما أطيب الربا ... وما أحسن المصطاف والمتربعا
ولما رأيت البشر أعرض دوننا ... وجالت بنات الشوق يحنن نزعا
بكت عيني اليسرى فلما زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
تلفت نحو الحي حتى وجدتني ... وجمت من الإصغاء ليناً وأخدعا
وأذكر أيام الحمى، ثم أنثنى ... على كبدي من خشية أن تصدعا