للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تسامع الناس بأخبارهم في ديار حلب والشام ومصر، وأخذت الفرائص ترتعد هلعاً وفزعاً تترقب هبوط هذا الوباء التتري آونة وأخرى. وكانت ديار حلب والشام مقسمة دولاً صغيرة متنابذة متمادية متواثبة يحكمها بقايا من أمراء بني أيوب. بينما كانت مصر قد تأثل فيها المماليك دولة عتيدة وسلطنة مجيدة جهد مؤسسها عز الدين أيبك في توطيد دمائهما وتثبيت أركانها منذ عام ٦٤٨هـ. ثم خلفه ابنه المنصور، وكان حدثاً صغيراً، فأقيم الأمير (قطز) المعزي مملوك أبيه نائباً لسلطنته وفوضت أمور الدولة إليه. وكان على دمشق أمير من الأيوبيين اسمه الناصر، ترددت الأطماع في نفسه أن يدهم مصر ويستأثر بملكها. فلذلك كان بين سلطان مصر دخل وجفاء. وبينما كان الناصر بين الخوف والطمع إذ وافته رسل (هولاكو) التتري تطالعه برسالته التي يهدده فيها ويتوعده، ويدعو إلى الدخول في طاعته. وبين سطورها يخاطبه ويقرو. (إذا وافقت على كتابي هذا، فسارع برجالك وأموالك وفرسانك إلى طاعة سلطان الأرض شاهنشاه روي زمين، تأمن شره وتغل خيره. كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى). ولا تعوق رسلنا عندك كما عوقت من قبل فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وقد بلغنا أن تجار الشام وغيرهم انهزموا وحريمهم إلى (كروان سواي)، فإن كانوا في الجبال نسفناها، وإن كانوا في الأرض خسفناها.

أين النجاة ولا مناص لهارب ... ولى البسيطان الثرى والماء

ذلت لهيبتنا الأسود وأصبحت ... في قبضتي الأمراء والوزراء

ففزعت أحشاء الناصر، وصكت ركبتاه، وسقط في يده ولم يدر ما يصنع. فأرسل إلى (قطز) يستجديه معونة مصر، بعد أن كان طامعاً في ملكها وكان (قطز) قد شعر بالخطر القريب، وفطن إلى الشر المرتقب فأخذ يعد للأمر عدته، ويتخذ له أهبته. وتحيل حتى خلع سلطانه (المنصور) وقفز بنفسه إلى سرير الملك، ليكون طلق اليد حر الإرادة في تدبير الأمور، في هذا الوقت الحرج والموقف الشائك. غير أن وثوبه إلى العرش قد احقد بعض الأمراء عليه وأحنقهم، فتجهموا له، وهموا به فأخذ يترفق بالثائرين حتى هدأ من ثورتهم، ويتلطف بالحانقين الحاقدين حتى قلل من حنقهموثبط من حقدهم، واعتذر إليهم بأنه لا مأرب له في ملك أو سلطان، ولا مطمع في عرش أو تاج وإنما همه الأول أن يكونوا يداً

<<  <  ج:
ص:  >  >>