على من سواهم، وأن يدافعوا عن أنفسهم وديارهم خطر التتار، الذين ما دخلوا قرية إلا أفسدوها، ولا مصراً إلا جعلوا أعزة أهله أذلة، ولا بلداً إلا عبثوا بتراثه، أولئك التتار الذين ضجت لهم الأرض وملئوا فجاجها بالدماء، وعرفوا بأنهم القوة التي تغلب، والوباء الذي لا يستطاع كفاحه.
ويذكر بعض المؤرخين أن هذا السلطان (قطز) هو محمود ابن ممدود، وأنه ابن أخت جلال الدين شاه خوارزم الذي أباد التتار ملكه وعفوا أثره. وقع محمود هذا في الإسار، وتنقل به ذله من دار إلى دار، حتى دفع به المقدار إلى مصر، فأبتاعه سلطانها (المعز أيبك) فاستأثر برقه. وكان حبيباً إلى قلبه قريباً إلى مجلسه، أثيراً عند تدبيره. فعلا نجمه، وزكت فيه مخايل الإمارة، ودوى في أعماقه صوت الثأر وصلصل جرس الانتقام فما هو إلا أن ملك الناصية وأخذ بالزمام، حتى قاد أمراءه وجنوده بمقاد الحزم وذكرهم بواجبهم المقدس حيال الإسلام، وإنهم إن أحجموا باد، وإن أقدموا ساد. وهاهم أولاء يرون دولة تسقط فتبيد واحدة إثر أخرى. فراعهم بهذا الخطاب، وملكهم بمنطقه الخلاب، فألقوا إليه السلم، وتوافدوا إلى حظيرته زمراً زمرا، بعد أن بث فيهم عزماً من عزمه، وحماساً مما يتقد في جسمه.
تطايرت الأخبار منذ أوائل عام ٦٥٨هـ إلى مصر ثوب التتار على حلب ودمشق وغيرهما من بلاد المسلمين، وما اجترحه أولئك الطغاة فيها من قتل وسبي، وسلب ونهب، وتخريب وتدمير وتشريد، وظلم وجور، وعجت التخوم والمسالك بالفارين واللاجئين من وجه البغي والعدوان.
وجاء النذير إلى مصر، ووفدت إليها رسل هولاكو - بعد أن أسر الناصر وخرب دياره - ومعهم رسالة إلى سلطانها يقول فيها: (من ملك الملوك شرقاً وغرباً، القان الأعظم. باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء. يعلم الملك المظفر قطز، الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم، يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك. يعلم الملك المظفر قطز، وسائر أمراء دولته وأهل مملكته، بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، أنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وأسلموا إلينا