للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أمركم، قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ فنحن ما نرحم من بكي، ولا نرق لمن شكا. وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد. فعليكم بالهرب وعلينا بالطلب. فأي ارض يؤويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال). . . الخ.

حزم (قطز) رأيه وشاور أمراءه، فأيقنوا جميعاً بالخطر الداهم والشر المستطير. وأنهم إن لم يأخذوا الطريق على عدوهم بقلب شجاع ونفس مغامرة وروح فادية، دهمهم في عقر دارهم، وأزال ملكهم، وخرب ديارهم، وهم البقية القوية من جند الإسلام. ولهم عبرة بما اجترح التتار في الشام والعراق والجزيرة وأواسط آسيا. فقر رأيهم على قتل رسل (هولاكو) وعلقوا رؤوسهم على باب زويلة، وأعلنوا في الناس بالجهاد، والخروج في سبيل الله، دفاعاً عن النفس والعرض والدين. وأعجل الجنود عن شئونهم، ودبر المال؛ ورأى السلطان تواكل بعض الأمراء، فقرعهم تقريعاً شديداً، وقال لهم. (يا أمراء المسلمين! لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون. وأنا متوجه فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته. فإن الله مطلع عليه. وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين) فأقبل الأمراء عليه يقسمون له يمين الطاعة والولاء.

ففر جيش مصر بعدده وعدته، يتقد حماسة ويغيض رغبة في القتال وعلى رأسه سلطانه (قطز) الشجاع الباسل الصنديد. يحف به أمراء باعوا نفوسهم لله، يحدوهم الولوع إلى لقاء التتار، فإما حياة كريمة ونصر مؤزر، وإما موت لا يقاس به موت.

وهناك في عين (جالوت) بفلسطين، التقى الجمعان في معركة حامية سالت فيها أنهارالدماء، وتجمعت أكداس الأشلاء. ولما أشتد وطيسها على المسلمين صرخ (قطز) من الأعماق قائلاً: (وا إسلاماه) فدوى صوته في آذان جنوده. وكأنما كانت صرخته إشارة بالمكر، أقدموا لا هيبة ولا وجل، وأخذوا التتار من كل جانب حتى قتل قائدهم (كتيغا) وولت فلولهم لا تلوى على شيء. فتبعهم المسلمون إلى (بيسان) فدارت بها رحى معركة جديدة، دحر فيها التتار وأسلموا للفرار، تاركين من ورائهم قتلى قد ضاق بها الفضاء.

استطاع جيش مصر وجنده بهاتين الموقعتين أن يحمي بلاد الشام من شر التتار، وأن يقذف

<<  <  ج:
ص:  >  >>