الدولية التي تتمنى أن يزلوا ويخطئوا لتحكم عليهم ومعها الحجة بإدانتهم، أم كان صبرهم هذا طبيعة فيهم ونضجا خلقيا وسياسيا منهم، وجنوحا للسلام حين يدعو داعيه، ولو كانت دعوته خداعا. . . سواء أكان هذا أم ذاك، فقد وضح الصبح لعيونهم ورأوا على ضوئه كرامتهم المهانة ومركزهم الدولي الممتهن، وصبرهم المتهم بالضعف والعجز والبلادة، ومثلهم العليا التي لا تقدير لها، وكميتهم المهملة التي لا وزن لها، وفشل هذا الدور منكفاحهم السياسي فشلا ذريعا لا يمكن نكرانه ولا التهوين من نتائجه.
والسؤال الآن الذي يتردد على فم الدنيا هو: ماذا يفعل العرب بعد ذلك كله؟ هل يريدون أن يحيوا أم يريدون أن يفنوا؟ هل يطيلون الصبر على هذه النظرة العالمية الظالمة إليهم، أم يردون إلى أنفسهم اعتبارها ويثبتون وجودها؟ هل يريدون أن يبقوا على عدوهم في ديارهم ليجلب عليهم بخيله ورجله، وليكون لهم عدوا وحزنا ونحسا ورهقا وخيالا، أم يقضون عليه وفي أيديهم روحه قبل أن يستفحل شره، ويستحيل ذئبه الخسيس إلى أسد شجاع؟
هل يعلمون ويعقلون أهدافه الواسعة الطامعة في بلاد العرب كلها من النيل إلى الرافدين، ومما بعدهما، وأحلامه في محو أهلها وتحويلهم إلى عبيد وحيوانات بشرية، وزرعها كلها يهودا، أم يغفلون عن هذه الأهداف ولا يدركون مداها ويحسبونها قاصرة على فلسطين الصغيرة وحدها؟!
لئن شاء العرب لحولوا سم السرطان الصهيوني الذي فرضته عليهم القوى الغشوم ترياقا يوقظ بلسعاته وموجعاته قوى الكفاح الكامنة في كيانهم المعنوي والمادي، ويثير فيهم حمى الحقد والثأر ومجازاة الشر بالشر وعزائم المقاومة التي خدروها وأناموها في عالم لا تقام فيه لقوى الشر والبغي عين!
أجل. . . إن شاء العرب، كان في هذا الشر الجديد ميلاد لقوى جيوشهم الحديثة وحرية اقتصادياتهم الوفيرة، وكان فيه دفع حثيث لهم إلى السباق الدائم بين الأمم نحو العلم المادي الذي يعتمد عليه عدونا، ويسرع إلى استغلال أسراره، يتخذ منها أسلحته وخيوط شباكه حديثا كما كان يسرع إلى استخدام السحروالجن قديما، كما ورد في آثاره. . .
وإن شاءوا كان فيه دافع عنيف إلى توحيد قلوبهم توحيدا حقيقيا، يولده الدم المتحد، والعقائد