للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المشتركة، والمصالح المشتركة، والأخطار المشتركة، فلم يعد هذا الزمن يحتمل تفرق كلمتنا وعيشة دولتنا عيشة القبائل التي لا تجمعها وحدة متينة، وليصيبن بغداد وعمان والقاهرة وبيروت ودمشق ومكة وصنعاء وغيرها من عواصم العرب ما أصاب القدس وحيفا ويافا إذا قالت كل أمة أو حكومة فيها: نفسي. . . نفسي. . . وحسب كل جيش من جيوش العرب أن نصره أو هزيمته له وحده!

وهذا التوحيد الحق للقلوب والجهود في جميع أقطار العرب، هو السلاح الضروري الأول الفعال الذي لا جدوى لأي سلاح بدونه، وما أتى العرب ولا أصابهم ما أصابهم للآن إلا من تفريطهم في هذا السلاح. فعلى الشعوب العربية أن تدفع زعمائها وقادتها، إذا ترددوا، على هذا التوحيد دفعا لا هوادة فيه ولا تباطؤ، فإن الحرب بيننا وبين أعدائنا حرب في كل لحظة، وعلى كل ثغرة، وفي كل ميدان، ومن كل فرد، فدولة إسرائيل المزورة، إذا قامت، ستكون كلها معسكرا يعمل فيه النساء والرجال والكبار والصغار ليل نهار، ويمده بالأخبار والأسرار، وينفذ خططه طوابيره الخامسة في كل بلد عربي محيط به، والصهيونيون يعلمون مقدما ما يبيته لهم العرب وما توعدوهم به من خنق عسكري واقتصادي وسياسي، ولذلك سيعملون بنفوذهم الذي لا ينكر في العالم وفي البلاد العربية على إحباط ذلك إذا لم نتيقظ لهم، وسيكون أول عمل لهم هو إفساد ذات البين في علاقات الشعوب العربية داخلها وخارجها، وضرب طبقاتها وأحزابها بعضها ببعض عن طريق الدعوات الاقتصادية والعمالية، وإفساد عزائم الشباب وقواهم بإضرام الشهوات وشغلهم بها عن آفاق مجدهم وكرامتهم، وعما يبيت لمستقبل أوطانهم وعقائدهم. والصهيونيون لم ينالوا ما نالوه من نفوذ بالغ في العالم، ولم يصلوا إلى ما وصلوا إليه بشعورهم بجنسهم المشترك وهدفهم المشترك وتوحيد قيادتهم وتدبير خطتهم، وتوزيع رجالهم على المعسكرات العالمية المختلفة، وصدورهم كلهم في جميع أنحاء العالم عن رأي واحد وقلب واحد. ولا شك أنهم لم يكونوا لينالوا ما نالوه، لو أنهم افترقت قلوبهم وتخاذلت قواهم وشكوا في قادتهم. فإذا أراد العرب أن يخنقوا دولتهم، فلا سبيل إلى ذلك إلا بدوام إذكاء الشعور بوحدة العرب، وبإيقاظ كل فرد إلى أداء واجبه في ضرائب الدم وضرائب المال، وتضحية الصغائر والكماليات، حتى يتغلب الجسم العربي على سموم هذا السرطان!

<<  <  ج:
ص:  >  >>