وهذه مسألة من صميم اختصاص منظمة اليونسكو، فليت وفد مصر يثيرها في المؤتمر، أليس من مبادئ اليونسكو نشر التعليم في أرجاء العالم؟ فلتقل للإنجليز لم يقفون في وجه انتشار التعليم في السودان ويعرفون الجهود المصرية في هذا السبيل؟
فقد تضمن خطاب العرش افتتاح الدورة البرلمانية الحاضرة أن الحكومة المصرية تعمل على إنشاء مدرسة ثانوية في الأبيض ومدرستين ابتدائيتين إحداهما في كسلا والأخرى في بور سودان ومدرستين أوليتين إحداهما في واو والثانية في بور. فبلبل ذلك الخاطر الإنجليزي في السودان، لأنهم يعطون التعليم للسودانيين بقدر وعلى النحو الذي يريدونه، من حيث تهيئته تهيئة آلية، وتشبيعه بالروح الموالية لهم، أما المدارس المصرية فهي الخطر كله، وأقل ما فيها أنها تجمع أبناء الوادي على ثقافة واحدة، وهي تشعر السودانيين بأن للحكومة السودانية الإنجليزية شريكا في النفوذ هناك، وحكام السودان من الإنجليز يحرصون على أن يقروا في أذهان إخواننا بالجنوب أنهم - أي الإنجليز - كل شيء هناك، وليس لمصر معهم حول ولا طول.
فما كان من الخاطر الإنجليزي المبلبل في السودان إلا أن أفضى لسانه في مؤتمر صحفي بالخرطوم - على الطريقة الإنجليزية الرقطاء - أن حكومة السودان تشكر مصر على شعورها نحو التعليم في السودان إلا أنها ترى أن تتعاون وزارة المعارف المصرية مع مصلحة المعارف السودانية على إنشاء هذه المدارس المقترحة والإشراف عليها بدلا من أن تكون تابعة رأسا لتلك الوزارة، لأنه ليس من مصلحة البلاد إقامة نظامين للتعليم فيها لكل منهما برنامجه الخاص.
ومعنى ذلك أن إدارة المدارس المقترحة تكون (ثنائية) ومعنى الثنائية في العرف الإنجليزي بالسودان أن ينفرد الإنجليز بكل شيء هناك دون مصر، طبقا لخرافة (الحكم الثنائي) المشهورة. .
ثم كيف كان من مصلحة البلاد إقامة نظامين للتعليم يوم أنشئت مدرسة الملك فاروق في الخرطوم ومدرستان أوليتان في جبل الأولياء وملكال، ثم اصبح ذلك الآن مخالفاً لمصلحة البلاد؟ أكان من المصلحة لأنه وقع في سنة ١٩٤٣ في خلال الحرب يوم كان (الخلفاء) يخطبون الود ويبذلون الوعود ويستجدون الثقة والمعونة، ثم صار الآن من غير المصلحة.