المقريزي هو - المواعظ والاعتبار، فنقل عنه، وقد ذكر سببا دعاه إلى ذلك لا نقره عليه، ولكن هذا القسم الملحق قد أحيا الكتاب وصوره لنا فوضع أمام أعيننا الجزء الموجود ورسم لنا تخطيط المفقود منه.
ولنرجع بعد ذلك إلى الكتاب نفسه لأننا لم نعرض إلى الآن إلا لمقدمته وملحقاته.
الكتاب منشور نشرا صحيحا سليما. نظر فيه الأستاذ الناشر فأمعن النظر، وجبر أخطاء النشر القديم، وتكلف في سبيل هذا التصحيح عناء وجهدا يستحقان كل الحمد والثناء، فرجع إلى مراجع كثيرة ضبط بها النص: والمعروف أن التزام النص دون مسه إلا بالاختصار قاعدة جرى عليها القدماء، لاعتبارهم التاريخ علما نقليا لا يجوز التصرف فيه إلا بأقل قدر مستطاع. وضبط الدكتور الشيال كذلك أسماء الأعلام وأسماء الأماكن ضبطا تاما، وعرف بها، فرجع في ذلك إلى المصادر التاريخية والجغرافية القديمة. وقد كان ينبغي عليه أن يزيد على ذلك فيضع في الكتاب خريطة جامعة. ثم حسنة أخرى: هي أنه فصل النص إلى فقرات، وأضاف إليه عناوين دون أن يتجاوز الحد. ولم يضع هذه العناوين جزافا، وإنما أخذها من مصادرها. فاستقام له النص استقامة محمودة، وأصبح مفهوما واضحا. وهذا غاية ما ينتظر من الناشر الأمين، والمؤرخ المثبت.
غير أن الكمال لله وحده، هو وحده المنزه عن السهو والخطأ. وقد تورط الناشر في أخطاء قد يحسن التنبيه إليها. أما بعضها فيتصل بقراءة النص وهو قليل جدا. أما بعضها الآخر فلا نشك أن المطبعة هي التي ورطته فيه. ومثل هذه الأخطاء المطبعية مما يقع فيه الناس جميعا، ومما يقع فيه الناقد نفسه أيضا. ولكن ذلك لا يبررها.
وقد كانت مطبعة بولاق الأميرية تحسن ضبط الطبع؛ والمطابع في أوربا اليوم تعنى بضبط الطبع أكبر عناية، وتتخذ المراجعين على حسابها، ولا تقتصر على تصحيح المؤلف. بل قد تنبه المؤلف على أغلاط منها عنها. فإن خلل الضبط يمس سمعة المطبعة أكثر مما يمس غيرها. وقد وضع الناشر قائمة طويلة للتصويبات، إلا أنه لم يصوب غير الأخطاء الظاهرة، وترك ما عداها لذكاء القارئ.
والقارئ لا يحب في العادة أن يتعدى دور القراءة والاستفادة؛ فإذا كلفته فوق ما ينبغي من القراءة أضجرته وأثقلت عليه. ومن حقي أن آخذ له بحقه وأن ألوم المطبعة والناشر.