للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من علة ما فيه من الميل إلى الإجرام.

وقد يقع الفعل الذي يمنعه القانون ويعاقب عليه دون أن يؤاخذ عليه الفاعل، وذلك فيما إذا كان في حالة يعفى فيها من العقاب، تلك حالة تستوجب حسن تطبيق القانون، ولا سبيل إلى حق هذا التطبيق إلا عن طريق دراسة نفسية الفاعل مضافة إلى دراسة طبيعة الظروف الذي وقع فيه الفعل.

ذلك بعض ما أمكن الإشارة إليه في هذه الكلمة القصيرة، وهي تفصح عن المدى الذي يصل إليه ويتغلغل فيه علم النفس من مباحث المجرم والجريمة في القوانين الإجرائية الجنائية والعقابية. ولاختلاف هذه المباحث في موضوعاتها وتشعب أصولها وفروعها ذهب علماء الفقه الجنائي لا إلى إحداث علم نفس خاص يعني بموضوع المجرم والجريمة، ويتقل بمباحثة عن علم النفس العام، ولكن بتقسيم هذه المباحث إلى موضوعات، وإفراد كل موضوع منها بعلم نفس خاص له أسلوبه وأغراضه ودوره الذي يؤديه في ساحة القضاء.

وهكذا وجد علم النفس القضائي، وهو العلم الذي يحلل فيه القاضي الجنائي نفسيات جميع أفراد الدعوى العامة من شاك بمثل الهيئة الاجتماعية في شخصية النيابة العمومية، ومن متهم، ومجني عليه، وشهود إثبات، وشهود دفاع وخبراء ووكلاء، ثم هو قبل ذلك وبعد ذلك يحلل نفسيته تجاه أدلة الدعوى وتجاه أفرادها ليأمن شر ما يكمن وراء شعوره من منازع ودوافع الانحياز إلى جهة التجريم أو البراءة، فيحتفظ بحياده القضائي في كل مرحلة من مراحل الدعوى وفي كل إجراء من إجراءاتها ولا يغفل عما يفعل.

تلك هي نظرة القاضي إلى نفسه، وأما نظرته إلى أفراد الدعوى الآخرين، فإنها توقفه على حالة المتهم الماثل أمامه أبرئ هو أمسيء، وهل يصدق هذا الشاهد أو ذاك في شهادته هذه أو تلك، أم هو يكذب فيها عن عمد أو غير عمد؟ وهل هناك مؤثرات شعورية أو غير شعورية لامست ولا بست الخبراء والوكلاء فتأثروا بها عن شعور أو عن غير شعور فأعرضا عنها أو استجابوا لها، ومدى تأثير ذلك في أقوالهم وأعمالهم في جميع درجات التحقيق والمحاكمة؟

وُجد علم النفس الجنائي، وهو العلم الذي يفسر الجريمة بالتفسير العلمي، ويحلل نفسية المجرم، ويمج يده إلى جذور الإجرام فيه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>