بالآثار المباركة لسفله. . ولكنه لم يلبث بعد هذا الكلام أن رق في مداعبة معلم الغابرين والحاضرين، ومربي الحموات الفضليات. .
وألقى بعد ذلك الأستاذ السكاكيني كلمة طلية أودعها كثيراً من النظرات الفلسفية الرائعة، وقد قال في أولها: إذا كنتم تقيسون العمر بالسنين فقد بلغت من الكبر عتيا، وإذا كنتم تقيسونه بالأعمال فأنا لا أزال في دور الطفولة، وإذا كنتم تقيسونه بما يلقاه المرء من الهناء والسرور فإني لم أولد
ثم أخذ في الحديث عن الشيخ مصطفى عبد الرزاق فحلل صفاته ومواهبه تحليلا وافياً وأفاض عليه بما هو أهله من الثناء والتمجيد، ولكنه جنح في آخر الأمر إلى عبارات مألوفة في التفريظ والمبالغة؛ إذ قال لو لم يسبقه الخليل لكان أول من وضع العروض، ولو لم يسبقه أرسطو لكان أول من وضع المنطق، ولو لم يسبقه ابن خلدون لكان أول من وضع علم الاجتماع. واستمر في هذه الفروض، ماراً بعديد من العلوم والمعارف وأوائل واضعيها. . .
نظرات في أدبنا المعاصر:
أذاعت محطة لندن العربية يوم الجمعة الماضي حديثاً للدكتور طه حسين بك عنوانه (نظرات في أدبنا المعاصر) قال فيه إن الأدب العربي الحديث في مصر مر بثلاث مراحل، الأولى مرحلة الحرية التي دفع إليها الوعي الوطني بعد الحرب العالمية الأولى، وكان الأدب في هذه المرحلة من حيث علاقته بالشعب ذا صبغتين اتصالية وانفصالية، فكان الأدباء متصلين بالشعب حين يعبرون عن مطالبه وحقوقه السياسية، وكانوا منفصلين عنه حينما كانت تتعلق كتابتهم ببعض النواحي الدينية والاجتماعية، ولكن الشعب لم يلبث بعد ذلك أن تطورت أفكاره وأصبح يستسيغ ما كان ينكره. والمرحلة الثانية تبدأ من حوالي سنة ١٩٣٠ حين مال السياسيون إلى أخذ الأمور بالرفق والاعتماد في حل المشاكل على مضى الوقت، في ذلك الحين بدأ الأدباء أيضاً يتراجعون في ميدان الحرية الذي كانوا فيه يركضون، ويحاسبون أنفسهم فيما يكتبون قبل أن تحاسبهم السلطات، فاعترى الجمود الأدب، ولا يزال رانياً عليه. والمرحلة الثالثة جاءت بعد الحرب العالمية الثانية، وفيها امتداد لجمود المرحلة الثانية ولكنها تتميز بنزوع الأدباء إلى الكتابة في الحال الاجتماعية