غيرها؛ فهي تحت الحجاب لأنه رمز الأمانة لمستقبلها، ورمز الفصل بين ما يحسن وما لا يحسن، ولأن وراءه صفاء روحها الذي تخشى أن يكدر، وثبات كيانها الذي تخشى أن يزعزع.
قال حكيم لأولئك الذين يستميلون النساء بأنواع الحلي وصنوف الزينة والكسوة الحسنة:(ياهؤلاء، إنكم إنما تعلمونهن محبة الأغنياء لا محبة الأزواج) وأحكم من هذا قول ذلك الرجل الإلهي الصارم عمر بن الخطاب: (اضربوهن بالعرى.) فقد عرف من ألف وثلثمائة سنة أن تحرير المرأة هو تجريرها، وإنها لا تخرج لمصلحة أكثر مما تخرج لإظهار زينتها. فلو منعت الثياب الجميلة حبستها طبيعتها في بيتها. فماذا تقول الشوارع لو نطقت؟ إنها تقول: يا هؤلاء، إنما تعلمونهن معرفة الكثير لا معرفة الواحد. . .!
لقد والله أنكرت أكثر ماقرأت، وسمعت من محاسنهن وفضائلهن وحيائهن. ولقد كان الحجاب معنى لصعوبة المرأة واعتزازها، فصار الشارع معنى لسهولتها ورخصها؛ وكان مع تحقق الصعوبة أو توهمها أخلاق وطباع في الرجل، فصار مع توهم السهولة أو تحققها أخلاق وطباع أخرى على العكس من تلك مازالت تنمى وتتحول حتى ألجأت القانون أخيراً أن يترقى بمن لمس المرأة في الطريق من (الجنحة) إلى (الجناية). وتخنث الشبان والرجال ضروباً من التخنث بهذا الاختلاط وهذا الابتذال، وتحللت فيهم طباع الغيرة، فكان هذا سريعاً في تغيير نظرتهم إلى النساء، وسريعاً في إفساد اعتقادهم، وفي نقض احترامهم، فأقبلوا بالجسم على المرأة وأعرضوا عنها بالقلب، وأخذوها بمعنى الأنوثة وتركوها بمعنى الأمومة؛ ومن هذا قل طلاب الزواج، وكثر رواد الخنا.
ولقد جاءت إلى مصر كاتبة إنكليزية وأقامت أشهراً تخالط النساء المتحجبات وتدرس معاني الحجاب، فلما رجعت إلى بلادها كتبت مقالاً عنوانه (سؤال أحمله من الشرق إلى المرأة الغربية) قالت في آخره: (إذا كانت هذه الحرية التي كسبناها أخيراً، وهذا التنافس الجنسي، وتجريد الجنسين من الحجب المشوقة الباعثة التي أقامتها الطبيعة بينهما - إذا كان هذا سيصبح كل أثره أن يتولى الرجال عن النساء، وأن يزول من القلوب كل ما يحرك فيها أوتار الحب الزوجي فما الذي نكون قد ربحناه؟ لقد والله تضطرنا هذه الحال إلى تغيير خططنا، بل قد نستقر طوعا وراء الحجاب الشرقي، لنتعلم من جديد فن الحب