للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مشيرة إلى (جيروم): (يا إلهي، تمنيت لو نقبل كلانا عليك، تدفع أحدنا قوة الآخر! لو نمشي كل طريق الحياة حاجين يقول أولهما للثاني: استند إلى ذراعي يا أخي إذا تعبت، فيجيبه: حسبي أن أراك إلى حانبي! ولكن لا؛ إن الطريق التي توصينا بها يا إلهي طريق ضيقة، ضيقة حتى ما يستطيع سلوكها قرينان!. . . يا إلهي، لم اخترت لنفسي مرارة الحرمان! أتراني أطلب غير الحب فتنة أعذب وأقوى! آه لو نملك دفع نفسينا معاً بقوة الحب إلى ما وراء الحب نفسه!) وهذا هو منطق جيد. . منطق الإنسان!

وأعود بك مرة أخرى إلى قصة أندريه موروا. . . نشأت كلير منذ صباها المبكر تتطلع إلى الحب بعينين حالمتين وقلب ظمآن، ولكن مربيتها الإنجليزية ذات الطبع البارد والوجدان الفاتر كانت تحذرها دائماً من أخطار الحب، ونزوات العاطفة، وغواية الرجال. . كانت كلما حملتها أحلام اليقظة على جناح الأمل إلى أرض الميعاد، ردها صوت المربية العجوز إلى أرض البشر: إحذري يا فتاة إن الرجال ذئاب، تقودهم إلى مهاوي الرذيلة شهوات وغرائز! وشبت كلير عن الطوق ولا يزال في نفسها وسمعها من دروس المربية العجوز رنين وأصداء!. . . أما أبواها فقد تلقت عنهما من الدروس ما طبع نظرتها إلى الحياة بطابع القلق والحيرة والترجح بين قسوة الواقع ومثالية الخيال؛ كان أبوها ضابطاً كبيراً عوده جنود أن يأمر فيطاع، وعودته الطاعة العمياء أن يرى فيمن حوله آلات يدفعها فتندفع!

وهكذا عاشت كلير. . لا يسمح لها أن تبدي رأياً، ولا يؤذن لها أن نعلق على أمر، ولا يتاح لها أن تعترض على وضع من الأوضاع. . أما أمها فكانت امرأة شاذة غريبة الأطوار، لا تعترف بهذه العاطفة المقدسة التي يسميها الناس حباً، وكثيراً ما كانت تضم صوتها إلى صوت المربية العجوز في تحذير ابنتها من لعنة الحب، وخبث الطوية عند الرجال!. . ومما ترك أثراً عميقاً في نفس كلير أنها كانت كلما قادها الخيال إلى حلم كل عذراء، إلى ليلة الزفاف، ارتفع صوت مربيتها ليقول لها في دهشة مقرونة بالعجب والاستنكار: (ليلة الزفاف؟ ألا تعلمين ما هية ليلة الزفاف؟!. . . تصوري مذلة أن تتجرد المرأة أمام رجل، وأن تظل عارية تماماً رهن مشيئته، وطوع إرادته، وتحت رحمته!. . . آه من شناعة هذا كله!)

<<  <  ج:
ص:  >  >>