كثر الفضول حول دار النجار، فكل امرأة تريد أن ترى وكل رجل يحب أن يسمع، ومضت الأيام وحال بعض الجارات على بعض يقلن وهن يملأن جرارهن من النهر: إن لامرأة المعلم يوسف لوناً حين يتنفس الصبح، ولوناً حين يمتع الضحى؛ لونها في طلعة الشمس أسمر حائل، ولونها في ميعة النهار أزهر مشبوب!
ثم مضت الأيام وقالت جارة لصواحبها وهن يحملن الحطب إلى البيوت: لقد رأيت بعيني محمد العطار يقف على باب النجار ويعطي زوجه شيئاً في السر فأخذته مسرعة وهي تتلفت، وغيبته في ثوبها وهي تهمس، ومحمد العطار هذا بائع جوال ينتقل بحماره وخرجه بين القرى المتجاورة، فيبيع اللبان اللدن والصابون الممسك والمناديل المزركشة والغوائش الملونة، وسلعاً أخرى تتصل بالزينة والتجميل يسار بها النساء، فينفرن منها ويطول حديثهن عنها.
ثم مضت الأيام وجاءت جارة أخرى تعرض على جارتها وهن يخبزن رغفانهن في الفرن المشترك. حقة صغيرة من الصفيح الأخضر على غطائها المستدير مرآة، وفي جوفها الفارغ آثار من صبغ أحمر؛ وتقول أنها التقطت هذه الحقة خفية من دار النجار؛ وهي تؤكد أن هذا الأحمر هو (حسن يوسف) الذي طالما أغراهن به العطار؛ ونرجح أن هذه المرأة الفاجرة تصبغ به وجهها؛ ولا يجرؤ على تغيير خلقة الله إلا الغوازي في القرى وبنات الهوى في المدن. ولابد أن تكون هي من هؤلاء أو من أولئك.
وانتشر الخبر في القرية انتشار الظلام، فلم يبق من لا يعرف أن زوجة المعلم يوسف تستعمل حسن يوسف.
ثم مضت الأيام وغدوت ذات صباح إلى الكتاب ومررت في طريقي إليه بدار النجار فإذا الحال غير الحال والمنظر غير المنظر: تقوض المجلس وأقفر المكان، فلا الرجل قاعد تحت جداره ينجر ولا الجمع حاشد من حوله ينتظر! وأسأل نفسي وأسائل الصبيان: ماذا صنع الدهر بالمعلم يوسف؟ لم يعد رجل يستأجره لعمل، ولم تعد امرأة تزوره في حاجة! فيقولون لقد قاطعه القريب وتحاشاه البعيد، لأنه تزوج من الخبيزة! والخبيزة كما علمت من بعد، اسم يطلقه أهل المنصورة وضواحيها على المواخير، ولمواخير الفسق ما لمواخير اليهود من تعدد الأسماء في مختلف الأنحاء، على مسماها القذر الواحر.