ولم لا تكون حياة إسماعيل تلك الحياة، وقد جمعت الضدين: السعادة والبؤس، وعظمة السلطان، وارتفاع الشأن، ثم الانزواء في مكان ناء حيث لا أمر ولا نهي، ولا تاج، ولا صولجان:
لم ير الناس مثل أيام نعما ... ك زماناً ولا كبؤسك عهداً
كنت إن شئت بدل السعد نحساً ... وإذا شئت بدل النحس سعداً
قائماً بالعطاء والسلب فينا ... كالليالي أو أنت أكبر أيداً
يتمشى القضاء خلف نواهي ... ك حديد الأظفار يطلب صيداً
ويظل السراة منك كريم ... رضيت رفده العناية رفداً
ومعز يصير القيد تاجاً ... ومذل يصير التاج قيداً
أنت من مثل السعادة لو لم ... يك ذاك النعيم أخذاً وردًَاً
ولقد أنصف شوقي إسماعيل وكان صريحاً عندما وصف نفسية إسماعيل بأنها نفسية أبية تبغض أن تجد يداً أجنبية تحاول أن يكون لها نصيب في ملكه وسلطانه، فالعاهل العظيم لا يؤوده الدين، ولو كان في ضخامة الجبال، ولكن الذي لا يستطيع احتماله، ولا يطيق عليه صبراً، أن يجد دائنه يحاول أن يقوض عليه سلطانه أو أن يسلبه شيئاً من حرية الرأي والعمل:
قصد الشاعر منك ركن المعاني ... ورمى طودها الذي كان طودا
والأبي الذي أبى العصر في الملك ... شريكاً لو أن ذلك أجدى
لم ينؤ بالجبال ديناً ولكن ... ودَّ منه الغريم ما لم يودَّا
ولقد رجع شوقي القهقرى، فعاد إلى ذلك العهد الذي استقبلت فيه مصر ارتقاء إسماعيل عاقدة عليه كبار الأماني والآمال وهاهو ذا الأمير النبيل يحقق آمال وطنه فيه بتلك الهمة العالية التي تريد أن تحيل الجهل علماً، والضعف قوة؛ فهاهي ذي يده تشيد في كل يوم للعلم صرحاً، وتنشئ للوطن جيشاً، وتقيم مظاهر الحضارة والعمران لتصبح مصر جديرة بأن تنال ما هي أهل له من عظمة وجلال، وهاهو ذا العاهل العظيم يصغي إلى أمنية بلاده في الحكم النيابي، فتنال الأمة ما تتمناه، ويصون لها مظهرها الخارجي، فوفوده تترى إلى الملوك تنبئهم بأن مصر استيقظت تريد أن تظفر بمكانها نبيلة كريمة، وإذا كان لسلاطين