للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الترك على مصر شيء من الأمر، فهدايا إسماعيل تعرف كيف تستخلص حقوق مصر من أيديهم، والمال في سبيل الآمال رخيص مهما كان كبير المقدار. استقبلت مصر إسماعيل يوم ولايته بقلب عامر بالآمال:

لبس الشرق من لقائك تاجاً ... وتلقى أعوام رشدك عقدا

وجرت فيه بالسعود جوار ... لك منشين مصر ملكاً ومجدا

كل يوم صرح مشيد للعل ... م، وظل يمد في مصر مدَّا

ولواء، وعدة، وعديد ... ونظام نرى به للشهب جندا

وغزاة في البيض والسود تبقى ... مصر فيها مجدداً مستردا

وبريد لها تسيل به القض ... ب، وثان بالبرق أجرى وأهدى

وخطوط بها التنائي تدان ... وبخار به الأقاليم تندى

وبيوت لله ترفع فيها ... وقصور تشاد للحكم شيدا

وأماني للرعية توفى ... وحقوق في كل يوم تؤدى

ووفود إلى الممالك ترجى ... وثمين إلى الحوانيق يهدى

وفي هذا البيت الأخير سياسة إسماعيل نحو سلاطين آل عثمان يهدي إليهم ثمين الهدايا، ليظفر منهم بما يحقق آماله وأمانيه.

ولكن إسماعيل يسير إلى غاياته في غير تمهل، ويمضي إلى هدفه غير متلبث ولا وان كأنه كان يخشى - والعمر قصير - ألا يحقق آمال قلبه الكبير، وهنا يتحدث شوقي وكأنه يهمس إلى الأمير العظيم أو يناجيه بأن في التأني السلامة، وما كان أخلق الأناة أن تحفظ التاج لرب التاج، وأن نصون السعادة والمجد للراعي والرعية! وما كان أخلق الحذر بأن يصون العرش من تلك الأيدي التي امتدت رقيقة ناعمة، فلما ملكت أصبحت شديدة عسراء. ولنصغ إلى هذه المناجاة الحزينة:

يا كبير الفؤاد والهم والآ ... راب مهلاً مهلاً رويداً رويدا

لم تكن حقبة أساءت علياً ... في جنى عمره لتحفظ ودَّا

خذلت منه واحد الترك والعرب ... ، وساءت سيف المشارق غمدا

لا غراماً بحاسديه ولكن ... رهباً أن يبلغ الشرق قصدا

<<  <  ج:
ص:  >  >>