ولأنت ابنه الذكي فهلا ... جئت بالطلبة الطريق الأسدا
فتأنيت، والتأني فلاح ... وهو يا ثاقب النهى بك أجدى
وحميت الأيدي العوادي أن تد ... نو، وأن تمتلئ، وأن تتصدى
بالغت بعد لينها لك في العس ... ر، وصار الوعيد ما كان وعدا
وإذا العصر والملوك خصوم ... لك، والناس والمحبون أعدا
ويختم هذه المناجاة بهذا البيت الحزين المبدوء بلو:
ولو أنا صنا وصنت، لعش ... نا الدهر في العز والسيادة رغدا
وكأن هذه المناجاة قد أثارت في نفس الشاعر الكبير ذكرى هذا اليوم الذي لا ينسى في تاريخ إسماعيل، وهو يوم افتتاح قناة السويس. وهل شهدت مصر في تاريخها الحديث مهرجاناً مثله، جعل اسم إسماعيل على كل لسان، وذكر مصر في كل مكان. أين هذا اليوم الذي جعل البحرين يلتقيان، وأضافت مصر فيه ملوك الزمن، وعظماء الأمم، يجدون عند إسماعيل، كرماً أندى من البحر، وأعذب من ماء النيل. ما بال هؤلاء الملوك قد تغيروا مع الدهر، وانقلبوا انقلاب الأيام! وما بال تلك الصور قد مرت كأحلام الليل، لا يلبث الصبح أن يتنفس حتى تمضي ولا تعود!
تهضت مصر بالزمان نزيلاً ... وبأهليه يوم ذلك وقدا
خطروا بين زاخرين ولاقوا ... ثالثاً من نداك أحلى وأندى
بين فلك يجري وآخر راس ... ولواء يحدو، وآخر يحدى
وملوك صيد يراح بهم في ... واسع الريف والصعيد ويغدى
صور لم يكن حقاً، وحلم ... فجع الصبح فيه لما تبدى
وهنا لا ينسى شوقي أن هذا الجلال الذي بدت فيه في ثيابه البلاد قد دفعت مصر ثمنه غالياً، قناطير مقنطرة من الذهب والفضة، وكأن عقل الشاعر ضاق عن أن يدرك كيف أنفقت فتسائل قائلاً:
وقناطير يجفل الحصر عنها ... كل يوم تعدها مصر عدا
ليت شعري؟ هل ضعن في الماء، أم هل ... يضمر الماء للودائع ردا
ولكن الشاعر كان عظيم التفاؤل فأقسم ليعودون هذا المال غلينا كما ذهب، ولسوف تكون