للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تلك القناة مصدر سعادة الوطن كما كانت ينبوع بؤسه وشقائه فيقول:

ليعيدنها إلينا بوقت ... زمن طالما أعاد وأبدى

إن ما أجرت يداك لنرجو ... أن سيحيي البلاد من حيث أردى

ويخيل إلى أن سر هذا التفاؤل إنما هو التأدب أمام ذكرى الراحل الكريم، أما الحوادث التي مرت على الوادي بسبب القناة فقد أوحت إليه بالسخط على حظ مصر منها. وهاهو ذا يقول في قصيدته الكبيرة التي يؤرخ فيها لكبار الحوادث في وادي النيل

جمع الزاخرين كرهاً فلا كا ... نا ولا كان ذلك الالتقاء

أحمر عند أبيض لليرابا ... حصة الفطر منهما سوداء

وليس منشأ تلك النظرة السوداء إيمانه بأن تلك القناة عمل باطل لا خير فيه للوطن، بل هي - كما قال في أسواق الذهب - عز الغد، وكنز الأبد. والنجم الأحد، والوقف الذي إن قلت الوالد قلن يفوت الولد.

وإذا كان هذا المجاز - كما قال أيضاً - هو حقيقة السيادة، ووثيقة الشقاء أو السعادة، خيط الرقبة، من أغتصبه اختص بالغلبة، ووقف للأعقاب عقبة - فلن تكون مصر السعيدة الرائجة إلا إذا كان لها خالصاً، وسلطانها عليه تاماً. ولقد كان شوقي صادقاً في ثورته، شأن كل مصري يرى على ضفتي القناة جنوداً وعدة ليس لمصر فيها فتيل ولا قطمير، يقول شوقي لولديه انظرا ترى على العبرين عبرة الأيام، حصون وخيام، وجنود قعود وقيام؛ جنس غيرنا فرسانه وقواده، ونحن بعراته وعلينا أزواره، ديك على غير جداره خلا له الجو فصاح، وكلب في غير داره انفرد وراء الدار بالنباح.

ولازال هذا شعورنا إلى اليوم، فما دامت القناة ليست لنا فهي خطر البلاد الأغير، من التقاء الأبيض بالأحمر. ولعل ما تنبأ به شوقي يتحقق في القريب فتحيا البلاد بالقناة، وتصبح ينبوع عز ومجد ورخاء.

وإذا كان يوم افتتاح القناة من أيام إسماعيل التي لا تنسى؛ فهناك من آثاره الغر المخلدة ما لا ينساه التاريخ ولا تستطيع مصر أن تنساه يوماً؛ فقد أنشأ لها جيشاً مدرباً قادراً، فتح به أرجاء السودان وقسمه ونظمه، وإن أرض السودان لجديرة أن تفتدى بالمال والدماء. وقد امتدت الآمال بإسماعيل، وداعبته الأماني، تغويه أن يملك كل منابع النيل. فلم يكفه خط

<<  <  ج:
ص:  >  >>