الاستواء، وراح إلى الحبشة يغزوها، يريد تلك المنابع التي تجلب الخير إلى مصر مع طميها. وكم ود أن يركز فوق تلك المنابع رايته، فكانت غزوة مشئومة أودت بجيش مصر، ولننصت إلى الشاعر يحدثنا بزهو وفخار على جهود إسماعيل في السودان:
وملكت السودان في الطول والعر ... ض، وفي شأنه المعظم عبدا
نلت بالمال والدما منه أرضاً ... بجبال الياقوت والدر تفدى
ثم نظمته ممالك كانت ... نار تنظيمها سلاماً وبردا
فهنئنا به السعادة عمراً ... وأصبنا به للعين المهدا
وطريق البلاد نحو المعالي ... وسياجاً لملك مصر وحدَّا
ولكن هذه النغمة الفرحة لا يلبث أن يشوبها الألم والحسرة عند الحديث عن غزوة الحبشة وما نال جيش مصر القوي فيها.
ليت لم تغش بعده في حماها ... حبش المكر والخديعة أسدا
سلبوا مصر أي جيش كريم ... كان للمجد والفخار أعدَّا
وما أشد الحسرة تنبعث من هذا البيت:
أنت أنشأته فلم تر مصر ... جحفلاً بعده، ولم تر جندا
وهنا تنهار آمال إسماعيل في فتح تلك الديار.
ونفضت اليدين بأساً على الرغ ... م كأن لم تجد من الصبر بدا
وإذا لم يكن من الله عون ... فأطراح الآمال بالنفس أبدى
وحين انتهى شوقي إلى هذا الحد، وقف يتأمل العبرة في هذه الحياة المجيدة التي قلب الدهر لها ظهر المجن، (وما إسماعيل إلا قيصر لو أنه وفق، والإسكندر لو لم يخفق). ولقد راع شوقي أن رأى الناس يشبهون الدهر في غدره وتقلبه، فأين الملوك الذين وفدوا إليهن وأين السادة الذين تربوا ببابه، وأين الأصدقاء الأوفياء؟ لقد اعرض كل هؤلاء وجفوا، وكفر بالنعمة قوم لولا إسماعيل ما عرفوا معنى الحياة.
ما لمصر رآك في العز لا ير ... سل دمعاً، ولا يبلل خدا
أين ود عهدت منه وعطف ... وولاء مؤكد كان أبدى
وملوك له أتتك وسادا ... ت حداها إليك وفداً وفدا