أبت الناس فيك للناس إلا ... أن يجاروا الزمان وصلاً وصدا
فرأيت الحميم أول جاف ... ووجدت الولي في البؤس ضدا
ورجالاً لولاك لم يعرفوا العي ... ش أبوا أن يقدموا لك حمدا
ما رأوا بعدك الأمور ولكن ... يحسنون الكفران حلاً وعقدا
ولقد مرت مصر من الأحداث ما كان مدعاة لأن يذكر الناس هذا العاهل، وما كان ينتظر منه لو أنه ظل على العرش يحوطه ويرعاه. ولقد كان الظرف الذي أنشأت فيه تلك القصيدة مدعاة لأن يثير في نفس الشاعر هذا المعنى، وما كان أخلق دهاء إسماعيل أن يمر ببلاده وقت العاصفة بسلام لو أنه لم يقص عن عرشه إقصاء
بان مجد البلاد إذ بنت والصف ... و، وكان الرجاء حياً فأودى
ودعتك الخطب فينا فلم تت ... رك صواباً لنا ولم تبق رشدا
ولقينا من الحوادث ما لم ... يك يعيا به دهاؤك ذودا
فبكى البائسون منك حساماً ... طالما قد هامة الخطب قدا
وبصيراً إذا المشورات لم تنجد ... ذويها ساس الأمور مُسدا
والآن بعد أن قضى حقوق التاريخ، ووقف يستقبل هذا الجسد الهامد، عاد إلى وطنه بعد طول غيبة، ليرقد فيه رقدة الأبد، وليستريح بعد ما قاساه من عناء الغربة، وبعد البنين، وفقدان الصحة والشباب، والجاه والسلطان، وإن مصر لوفية وإن ظن منها الجفاء، مقبلة وإن خيل منها الإعراض، لا تحمل لخادمها بغضاً، ولا تكن له حقداً؛ وإذا كانت الظروف قد جرت على مصر ببعض المحن فقد غفرت مصر لإسماعيل كل شيء؛ فقد كان يبني لها المجد وضخامة السلطان، وترك لها ما خلد من جليل الآثار.
نازح الدار ما لبينك حد ... ولقرب الديار زادك بعدا؟!
هكذا من قضى حنيناً وشوقاً ... وأنيناً مع الظلام وسهدا
شاكياً للبنين والأمر والصح ... ة والجاه والشبيبة فقدا
عد إلى مصرك الوفية وانزل ... في ثراها واسكن من المهد لحدا
لا تقل أعرضت بلادي وصدت ... مصر خير هوى وأكرم عهدا
وقبيح بالدار أن تعرف البغض ... وبالمهد أن يباشر حقدا