ولقد هاجت به الذكرى فذكر أنه لو أدرك عهد إسماعيل لنال ما لم ينله المتنبي من سيف الدولة:
ولو مشت بي الليالي تحت كوكبه ... غادرت أحمد نسياً وابن حمدانا
ولقد وجد شوقي المجال لإحياء ذكرى إسماعيل فأخذ يعد مآثره وجليل أعماله:
ذو همة كفؤاد الدهر لو نظرت ... إلى بعيد دنا، أو جامح لانا
باني المآثر يعجزن الملوك بنى ... بكل ارض لكسرى العلم إيوانا
مد الكنانة أطرافاً ووسعها ... ملكاً وأترعها خيلاً وفرسانا
وفجر الماء في جنباتها فسقى ... ما كان بين عيون النيل ظمآنا
ونص في ثبج الصحراء رايتها ... كالنجم يهدي بأقصى الليل حيرانا
لا تبرح الخيل بالسودان ملبسها ... حتى تغازل بالصومال أرسانا
ولا حقيقة من ملك ومن وطن ... حتى ترى السيف دون الملك عريانا
وقد أفصح شوقي في هذه القصيدة فذكر أن الذي أحبط جهود هذا العاهل، فلم يجن ثمار عمله، هو إنجلترا أدعى الممالك وشيطان الدول، فأينما كان يتجه يجد منها ما يفسد عليه غايته:
شيطان ملك وفتح قد أتيح له ... أدعى الممالك والدولات شيطانا
لم يمض في غارة إلا أصاب لها ... كيداً ينازعه الغايات يقظانا
وهكذا ضاعت آمال إسماعيل التي بناها، يريد بناء ملك عريض وطيد:
خيال ملك تلمسنا حقيقته ... فأخطأتنا، وكانت حظر (يابانا)
لم نصح من عرس دنياه وموكبها ... حتى سحبنا على الأحلام نسيانا
وفي تلك القصيدة تعرض شوقي لتهمة إسراف إسماعيل، ودافع عنه بأنه إنما أسرف في سبيل بناء الملك والنهضة والإصلاح.
وبعد فهذه صورة إسماعيل في شعر شوقي الذي كان يرى فيه - فضلاً عن ذلك كله - خالق نهضة الفكر في مصر والشرق وبهذا العنوان أهدى إليه الجزء الأول من شوقياته.
أحمد احمد بدوي
مدرس بكلية دار العلوم - بجامعة فؤاد الأول