هلم مثال إسماعيل وانسج ... على منواله المنن الجساما
وأحب أن أشير إلى موضعين آخرين أطال فيهما شوقي الحديث عن إسماعيل. أما الموضع الأول فالقصيدة التي ودع بها اللورد كرومر، وقد أقام له رئيس الوزراء يومئذ مصطفى باشا فهمي حفلة وداع في دار الأوبرا، وخطب اللورد في هذه الحالة فأهان الأمة وأهان الخديو إسماعيل في وجه الأمير حسين كامل ولم يراع شيئاً من الأدب ولا المجاملة، فأنشأ الشاعر في ذلك الحين قصيدة ثائرة، تعبر عن نفس كليمة وقلب موتور. وليس المجال مجال تحليل تلك القصيدة الرائعة، ولكنني أكتفي هنا بدفاع شوقي عن إسماعيل، فقد تمدح المحتل بأنه جلب لمصر الغنى ومد لها أسباب الحضارة، وقضى على إسراف إسماعيل وتبذيره فخاطبه قائلاً:
قالوا جلبت لنا الرفاهة والغنى ... جحدوا الإله وصنعه والنيلا
وحياة مصر على زمان محمد ... ونهوضها من عهد إسماعيلا
ومدارساً ببني البلاد حوافلاً ... حظ الفقير بهن كان جزيلا
قد مد إسماعيل قبلك للورى ... ظل الحضارة في البلاد ظليلا
إن قيس في جود وفي سرف إلى ... ما تنفقون اليوم عد بخيلا
أو كان قد صرع المفتش مرة ... فلكم صرعت بدنشواي قتيلا
لا تذكر الكرباج في أيامه ... من بعد ما أنبت فيه ذيولا
وما أجمل هذا التهكم يزجيه شوقي للمحتل الذي يعد من سيئات إسماعيل إكثاره من بناء القصور:
وامدح قصوراً شادهن بواذخاً ... قد أصبحت مأوى لكم ومقيلا
لو أنه لم يبنها لتخذتمو ... منها المضارب والخيام بديلا
والموضوع الثاني قصيدة أنشأها يحيي بها المؤتمر الجغرافي الذي وفد إلى مصر في عهد الملك فؤاد، وكان إسماعيل قد أنشأ في عهده سنة خمس وسبعين وثمانمائة وألف جمعية جغرافية وكان المؤتمر نزل بدارها فكان في ذلك ما يجدد ذكر إسماعيل قال يخاطب رجال المؤتمر:
كفى بدار تبوأتم أرائكها ... من عبقرية إسماعيل عنوانا