السيد الغبرة الفولاذية لم تطاوعه على العودة إلى الشام دون أن ينال من صاحبه ويلحق به الأضرار التي ينتظرها له.
وبينما هو يفكر في أمره إذا به يسمع من أحد أطراف الحاشية التابعة (لبلديز) أن السلطان سيصلي صلاة العيد في أيا صوفيا، ففرح هذا المنافس الماكر فرحاً شديداً لهذا النبأ، وأزمع أن يرفع إليه شكواه وهو في طريقه إلى المسجد مهما كلفه الأمر، وقد أعد لهذا الأمر عدته وهيأ له أسبابه.
وبينما كان موكب المليك ماراً في عربته الفخمة التي يجرها الخيول المطهمة الرافلة في أبهى وأجمل أحلاس الدمسق والحرير والأطاس، وفي أعناقها القلائد الذهبية والفضية مدلاة تمشي بنعالها الذهبية مشية الطاووس زهواً وتيهاً بما تحمله، إذا بصوت يدوي كالرعد مرجحناً من أعلى شرفة مطلة على الموكب يجأر صاحب الصوت بقوله:
يا مليك الزمان وصاحب العرش والصولجان، يا خادم الحرمين الشريفين وإمام القبلتين، يا أمير المؤمنين وخليفة سيد المرسلين إن الشام التي أحبتك وذابت أكبادها تحناناً إلى ظليل عرشك أوفدت هذا الوفد إليك تستعديك على عدوك وعدو الله هذا القباني الأفاق المستعبد الذي أحدث خروقاً في الدين بترقيصه الفتيان المرد على المسارح وتهريجه وتمثيله مما لم تطق الشام على مثله صبراً، يحدث في عصر أنت فيه الإمام الأوحد والركن المشيد، فأنقذنا يا رعاك الله من هذا البلاء المحتم، وإذا لم تنقذنا منه لا يعبد الله في أرض الشام بعد هذا اليوم أبداً.
ولما ترجمت كلمة هذا المتحذلق المنافق إلى المليك بالحرف الواحد خشي سوء العاقبة وأصدر إرادته السنية بمنع القباني من العمل وإغلاق مسرحه، فحملها هذا الغبرة الذي غير على القباني ونكد صفو عيشه وعاد بها إلى دمشق يزف لأصحابه البشرى.