وقد يجيء الشاعر بما لا يصدقه الواقع، فيدلنا بذلك على أن للصناعة في هذا الشعر مكاناً.
نحن نعرف أن المرأة السودانية كهى في صعيد مصر، محجبة متمتعة، دون الوصول إليها أهوال وأهوال، ولكني مع إعجابي بهذه الأبيات وإحساسي بحرارة الحب فيها، أرى أن صاحبها نهج في غير نهجه، وسلك غير الطريق:
أستغفر الله لي شوق يجدده ... ذكر الصبا والمغاني أي تجديد
وتلك فضلة كأس ما دممت له ... طعماً، على كبر برح وتأويد
أرنو لسالف أيام لهوت بها ... مع الأحبة حيناً مورقاً عودي
إن زرت حياً أطافت بي ولائده ... يفدينني، فعل مودود بمودود
وكم برزن إلى لقياي في مرح ... وكم ثنين إلى نجواي من جيد
لو استطعن وهن السافحات دمي ... رشفتني رشف معسول العناقيد
يا دار لهوي على النأي اسلمي وعمى ... ويا لذاذة أيامي بهم عودي
ولهذا الشاعر المبدع الشيخ محمد سعيد العباسي غزل رقيق، بل كل شعره رائع، يقول:
يا بنت عشرين والأيام مقبلة ... ماذا تريدين من موءود خمسين
قد كان لي قبل هذا اليوم فيك هوى ... أطيعه، وحديث ذو أفانين
ولا مني فيك والأشجان زائدة ... قوم، وأحرى بهم ألا يلوموني
أزمان أمرح في برد الشباب على ... مسارح اللهو بين الخرد العين
والعود أخضر، والأيام مشرقة ... وحالة الأنس تغري بي وتغريني
أفديه فاتر ألحاظ وقل له ... أفديه، حين سعى نحوي يضربني
يقول لي وهو يحكي البرق مبتسماً ... يا أنت، يا ذا، وعمداً لا يسميني
أنشأت أسمعه الشكوى ويسمعني ... أدنيه من كبدي الحرى ويدنيني
وفي هذا الشعر تسجيل لتقليد عند إخواننا السودانيين، ذلك أن المرأة - مهما طال عهدها مع زوجها - فإنها لا تدعوه باسمه، فذلك حيث يقول (وعمدا لا يسميني). هذا ما أعرفه عن الزوجة، فهل تستحي العاشقة كذلك أن تدعو صاحبها باسمه؟ العلم عند الحب!!
ومن الشعراء من ينساق مع عاطفته، فيشبب تشبيباً مكشوفاً ويذكر ما نال من المتع مع صاحبته ولكنه يتلفت حواليه فيضطر إلى أن يذر الرماد في العيون، فيؤكد أنه لم يأت ما