للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يسخط المروءة والدين:

كلما استعذب الدعابة مني ... لج في عتبه ليعجم عودي

وإذا اهتاج من حرارة قبلا ... تي، أوما إلي بالتهديد

فإذا ما اندفعت ألثمه أس ... لم لي ثغره الشهي الورود

يتغاضى عن احتكامي في الخص ... ر، ويلتذ عند مس النهود

أليس هذا فعل امرأة صناع في الغزل؟ أليس هو حديث عاشق مدمن؟ ولكنه يسخر من القراء حين يقول:

لا تظنوا بي الظنون فإني ... يعلم الله واقف في حدودي

بخ! بخ! قد عرفنا ... ك فقف حيث شئت!

ولست في الواقع أقضي على الشعر السوداني بالتقليد في النسيب لأن الشعراء خلت قلوبهم من الحب، لا فإن لكل إنسان من الحب نصيباً، كما يقول ابن قتيبة، وإن حب الحسن لكمين في الطباع كما يقول شيخ علمائهم، ولكن شتان بين إنسان يحب حباً هادئاً رزيناً، لا يوحي بشعر، وبين إنسان يلذعه الحب، وتكوى الصبابة قلبه، فيعبر عن ذلك بشعر تحس وأنت تقرأه بأن فيه رائحة كبد تشوى على جمرة الهوى. وعند أكثر هؤلاء الشعراء لم يلق الحب في أشعارهم شيئاً من حرارة الجوى، أو رقة الوصال.

ومما يلفت النظر أنك لا تكاد تجد في هذه الأشعار وصفاً للغادة السودانية، فكل محبوباتهم يخجل البدر منهن، وقد سرق الورد حمرة خدودهن، وربما وجدنا لبعضهم لجة خفيفة. قرأت للشيخ إبراهيم أبو النور، وهو من علماء المعهد العلمي هذه الأبيات:

تخال الوجه منها بدر تم ... وتحسب ثغرها حب الغمام

وقد زادت ملاحتها بشرط ... على الخدين خطط بانتظام

محجبة فلم تبرز لشمس ... ولم تعرف محطات الترام

والذي استوقفني في هذا الشعر أمور، فإنه ذكر الشرط، وهو ما يصنع في أوجه السودانيات من علامات الجمال، ولكل قبيلة من القبائل أشراط معينة، بحيث يمكن معرفة القبيلة بمجرد النظر في الوجه، وهي عادة لا تزال موجودة في كثير من القبائل. وطريقة صنعها أن يؤتى بموسى، فتخط ثلاثة خطوط مستطيلة في كل خد من خدي الطفل، وهذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>