للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يحطن به. والتمست لذلك أغرب وسيلة يمكن تصورها. فاختلت بروسو ذات يوم، وأفهمته أنها لم تر وسيلة لانقاذه من أخطار الشباب سوى أن تقدم نفسها إليه، وأن تفتدي بجسمها كل ما يهدده من الأخطار، وأنها تمهله ثمانية أيام للتفكير والعزم. ويقول لنا روسو إنه دهش لهذه المفاجأة أيما دهشة، وإنه لم يكن يتوقع قط هذا المصير لعلائقه مع المحسنة اليه؛ بيد أنه يقول لنا إن ذهنه لم يكن بعيداً عن تصور هذه السعادة؛ فقد كان يضطرم جوى نحو النساء؛ ولم يكن قد لامس إحداهن بعد؛ وإن مدام دي فرنس وإن كانت تكبره بنحو عشر سنين، كانت ما تزال فتية فتانة وافرة الأنوثة والسحر، ولم يثره أنها كانت خليلة غيره، وأنها بذلك توزع متاعها على أكثر من رجل، فقد كانت هذه الشركة مؤلمة حقا، ولكنها لم تغير ذرة من عواطفه نحوها.

ويحاول روسو أن يحلل عواطفه نحو مدام دي فرنس مرة أخرى. لقد كان يحبها حقاً، بل كان يهيم بها حباً؛ ولكن ذلك الهيام كان أقوى من أن يحمله على الرغبة في وصالها. وقد أنفق هذه الأيام الثمانية في اضطراب ذهني لا يمكن تصوره، وكأنها كانت قروناً ثمانية، ولكنه كان يبغى المزيد منها. ثم جاء اليوم المروع أخيراً؛ فهرول روسو إليها، وصرح بالقبول والأذعان؛ وبر في الحال بوعده. ويصف لنا روسو ذلك اللقاء المدهش في تلك العبارات القوية المؤثرة: (لقد توج قلبي كل نذوري دون أن أرغب في المكافأة. بيد أني حصلت عليها، وألفيت نفسي لأول مرة، بين ذراعي إمراة - وامرأة أعبدها. فهل كنت سعيداً؟ كلا! ولقد تذوقت السرور، ولكن شعوراً قاهراً من الحزن كان يسمم سحره؛ وكنت أشعر أني أرتكب عشرة محرم؛ ولقد بللت صدرها بدموعي مرتين أو ثلاث مرات، بينما كنت أضمها إليّ في شغف وهيام. أما هي فلم تكن حزينة ولا مضطرمة، ولكنها كانت ناعمة هادئة. ولم تكن تحدوها الشهوة، ولم تكن ترجو المتاع، ولهذا لم تشعر بمتعة، ولم يؤنبها الضمير قط).

وهنا يفيض روسو في تحليل عواطف مدام دي فرنس وميولها الغرامية، ويحاول أن يعتذر عن أخطائها وزلاتها؛ فقد نشأت نشأة حسنة، ذات فضيلة واستقامة، وذوق رفيع، وخلال بديعة، ولكنها كانت تصغي إلى العقل والفلسفة دون القلب؛ وقد عنى معلمها وأول عشاقها، مسيو دي تاقل، بأن يغرس في ذهنها جميع المبادئ التي تسهل له إغواءها؛ فعلمها أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>