الاخلاص الزوجي سخف، وأن الاجتماع الجنسي أمر تافه، وأن الفضيلة والعفة والحشمة أمور ظاهرية فقط. فغزتها هذه المبادئ وطغت عليها حتى أصبحت تعتقد دائماً أنه لا يصفد الإنسان بحب امرأة قدر الوصل. وفي تلك الصحف التي يصف لنا فيها روسو ذلك التحول في علائقه مع مدام دي فرنس، يبلغ روسو ذروة البلاغة والافتنان، ولعلها أبدع قطعة في (الاعترافات).
وهكذا تحولت القصة البنوية الأموية إلى قصة غرامية، وغدا روسو خليل المرأة التي لبث بضعة أعوام يقدسها كأم رؤوم. واستمرت هذه العلاقة ما بقى إلى جانبها، واستمر الخادم كلود آنيه شريكه في الوصل مدى حين، ولكنه لم أن توفى. ثم انتقلت مدام دي فرنس وروسو إلى منزل خلوي في ضيعة (لاشارميت)، وهنالك قضى روسو، في ذلك المقام المنعزل أياماً سعيدة في الدرس، مستأثرا بصحبة (أمه) وحبيبته. ثم اعتلت صحته، واشتد به الهزال والضعف، وفكر في السفر لينتجع العافية، وأشير عليه أن يسافر إلى مونبلييه حتى يجد من الأطباء من يستطيع معالجته، ولم تمانع مدام دي فرنس في تنفيذ ذلك العزم، فسافر إلى مونبلييه، ووقعت له أثناء رحلته بعض حوادث غرامية بثت في ذهنه إضطرابا وجوى. وبعد أشهر عاد إلى (أمه) وكانت تلك العاطفة المضطرمة التي لبثت مدى أعوام تدفعه إلى جانب مدام دي فرنس قد خبت نوعاً، واستحالت إلى نوع من الصداقة الهادئة، والظاهر أيضاً أن مدام دي فرنس كانت تبحث عن صداقة جديدة وغذاء جديد لعواطفها الهائمة، فلما عاد روسو ألفى إلى جانبها في المنزل رجلاً آخر يدعى فنتز نريد، ولم يلبث روسو أن أدرك من تصرفاته ولهجته أنه غدا صاحبا لمدام دي فرنس، وأنه قد حل مكانه، فحزن روسو لذلك ولم يطق البقاء حيثما هدمت سعادته، فسافر إلى ليون، ولم تبد (أمه) كبير أسف لسفره. وبعد أن أقام بها حيناً عاد إلى مدام دي فرنس كرة أخرى، وأقام بالمنزل حينأ في عزلة عنها لا يكاد يراها إلا وقت الطعام، وكانت آخر زياراته لها. وكان يومئذ قد أشرف على الثلاثين من عمره، ونضجت دراساته ومواهبه وآنس في نفسه طموحاً إلى غزو ميدان الحياة الواسع، فاتجه ببصره إلى باريس، فودع (أمه) الوداع الأخير، سافر إليها تحدوه مختلف العواطف والآمال. .
وكان ذلك ختام قصة روسو ومدام دي فرنس، فلم يرها بعد ذلك ولم يحاول رؤيتها، وألقى