والتحالف، وقوة اقتصادية بالبياعات والتسوق. وان أشد ما تجتمع به القوة وتتسق عليه الحال هو الوحدة والجماعة، وهما لباب الدعوة الإسلامية. فالوحدة هي الأساس الذي حمل، والجماعة هي الصرح الذي قام. كانت الوحدة هي الأساس لأنها توحيد لله بعد إشراك، وتوحيد للعرب بعد شتات، وتوحيد للرأي بعد تفريق، وتوحيد للغة بعد تبلبل، وتوحيد للقبلة بعد تدابر. وكانت الجماعة هي الصرح لأنها جمعة القلوب التي ألف بينها الله، وجملة الشعوب التي رفع شأنها محمد. ثم قامت سياسة الإسلام على استدامة القوة بالمحافظة على الوحدة والحرص على الجماعة. فالفرد الذي يكفر بوحدة العقيدة والأمة يقتل، والطائفة التي تبغي على جماعة المسلمين تقاتل. والصلاة إنما يعظم أمرها ويضاعف اجرها إذا أديت في جماعة. وهذه الجماعة تتكرر خمس مرات كل يوم، ثم تكبر في صلاة الجمعة كل أسبوع، ثم تعظم في صلاة العيدين كل عام، ثم تضخم في أداء الحج مرة - على الأقل - في كل عمر.
على ذلك كان إسلام محمد وأبي بكر وعمر؛ وعلى ذلك كانت عروبة خالد وسعد وعمرو. كان العرب والمسلمون حينئذ يحملون المصحف للحق والسيف للباطل؛ وكان خلفائهم يجمعون بين أسامة للصلاة وقيادة المعركة، حتى بلغوا من القوة فعل كتاب الرشيد ما يفعل الجيش؛ وبلغوا من المروءة أن سير المعتصم جيشا لإنقاذ امرأة. فلما شتت الوحدة، وتفرقت الجماعة، وصارت سيوف المسلمين خشبا يحملها خطباؤهم على المنابر، ومصاحفهم تمائم يعلقها مرضاهم على الصدور، أصبحت دولهم تبعا لكل غالب، وتراثهم نهبا لكل غاصب؛ وبلغوا من التخاذل والفشل أن الأندلسيين يجلهم النصارى عن أقطارهم بالأمس فلم يجدوا الرشيد؛ وان الفلسطينيين يشردهم اليهود عن ديارهم اليوم فلا يجدون المعتصم!
إن مسلمي هذا الزمن الأخير صاروا من جهلهم بالدين وعجزهم في الدنيا على أخلاق العبيد؛ يطأطأ أشرافهم فلا يندى لهم جبين، وتنقص أطرافهم فلا يحمى لهم انف، وتنزل بهم الشدة فيتخاذلون تخاذل القطيع عاث فيه الذئب، ويغير عليهم العدو فيتواكلون تواكل الاخوة دب فيهم الحسد، وتجمعهم الخطوب فيفرقهم الطمع والهوى، ويلجئون إلى جماعة الدول المتحدة فيخذلهم العدو والصديق؛ كان الإسلام الذي كان عامل قوة وائتلاف، قد انقلب اليوم علة ضعف واختلاف! وكان الذين كنا نقول لهم بلسان الجهاد: أسلموا تسلموا، يقولون لنا