بلسان الاضطهاد: تنصروا تنصروا!! ولكن الإسلام دين الله لا يغيره الزمن، ولا تجافيه الطبيعة، ولا يعاديه العلم، ولا تنسخه المذاهب؛ وإنما المسلمون اليوم هم أعقاب أمم وعكارة أجناس وبقايا نظم ورواسب حضارات وربائب جهالات وطرائد ذل، ففسدت مبادئ الإسلام في نفوسهم المشوبة كما يفسد الشراب الخالص في الإناء القذر.
إن جامعة الدول العربية كانت تعبيرا جميلا لحلم ساور النفوس الطيبة حقبة من الزمن. ولكن الحلم قد يقع وقد لا يقع، والتعبير قد يصدق وقد لا يصدق. ولو كان ميثاق هذه الجامعة قبسا من نور الله وهديا من سنة الرسول، لما رأيناها في نكبة فلسطين تعد ولا تنجز، وتقول ولا تفعل. ولو ظل أمرها قائما على الخطب الحماسية والوعود المغرية والتصريحات البليغة والاجتماعات المتعاقبة، أظلت في نفوس العرب والمسلمين مناط الثقة ومعقد الرجاء ومثابة الأمن؛ ولكن طالعها السيئ ابتلاها وهي لا تزال في زهو النشأة وصفو المآدب بحرب الصهيونية المهينة، فتحمست الدول السبع، وسيرت كتائبها المظفرة إلى عصابات اليهود في فورة من الأناشيد والخطب؛ فلما صار الأمر جدا والكلام فعلا وقفوا على أطراف الميدان وقفة الحائر القلق: هذا يتجه إلى بريطانيا وفي يده التاج الناقص؛ وذاك يلتفت إلى أمريكا وفي كفه العقد المبرم؛ والآخرون يهيبون الأمر وينتظرون في ظلال الهدنة المفروضة ما تلده الأحداث ويقرره مجلس الأمن!
وليس من هؤلاء الآخرين المنتظرين والحمد لله مصر؛ فقد قضت عليها حمايتها للإسلام ورعايتها للعروبة وأمانتها للجامعة أن تقف وحدها في الميدان الغادر تكافح في صدق وصبر جيوش اليهود وقواد الروس وأسلحة الأمريكان ومكر الإنجليز؛ ثم لا تتلقى من أخواتها الشقيقات إلا هتافا كهتاف الحمام وحنانا كحنان الإوز: يروق باسمة من غير غيث وصكوك ضخمة من غير رصيد!!
لقد تكشفت مأساة فلسطين - واسوأتاه - عن قلوب شتى ووجوه متعارضة والإسلام - كما رأيت - وحدة وجماعة. فمن فصم العروة بعد توثيقها، ونقض باليمين بعد توكيدها، وفرق الكلمة بعد توحيدها، فهو مسلم من غير إيمان، وعربي من غير شرف، وإنسان من غير ضمير!