فقبلت الحكومة هذا الطلب واشترطت شروطا كلها ضمانات قوية لسلامة الإسلام من العبث، فشرطت أن لا يدرس كتاب في المدارس إلا إذا أقرت الحكومة على تدريسه فيها.
واشترطت كذلك أن لا يدرس الدين إلا الذين حصلوا على معلومات دراسية في مدارس الحكومة أو التي تعترف بها. وهذا الشرط وان ظهر مبالغا فيه، إلا أنه يمكن قبوله على اعتبار أن الذهن الخالي من المعلومات، لا ينبغي أن يتسلم إلا ما لابد منه من النطق بالشهادتين، وحفظ آيات من القرآن ليصلى بها. ولعلهم منعوا تسليم الجهال العلوم الدينية لكيلا يتبعوا سبيل قدماء الشيوخ في التحكم بنصوص الدين على كل شيء، وبتكفير المسلمين على أقل ما يتخيل أن فيه مساسا بالعقيدة. هذا فضلا عن مثوله بين المتعلمين على حال لا يتفق والمتفقه في الدين من الجهل ببسائط العلوم الطبيعية، وأوليات الشؤون التاريخية والاجتماعية. ومثل هذا وإن كان لا يخشى منه أقل تأثير على المتعلمين، ولكنه يعتبر كلامه عند العامة من العلم في صميم الصميم.
الخلاصة أن الأتراك بعد أن طال صمتهم عن الشؤون الدينية التي كانوا يعتبرونها شخصية محضة للأفراد، عادوا فاعترفوا رسميا بان دين الأمة التركية الإسلام، واستخدموا هذا التعبير في اكتساب هوى الشعوب العربية. وكل هذا كان من ضروريات الثورة، فإن أخص مميزاتها إحداث انقلابات تعقبها انتقالات. وقد حدث مثل هذا الأمر في كل أمة. ففي الثورة القريبة منا، وهي الثورة الفرنسية أنكروا الدين والخالق جل وعز، ثم عادوا بعد عشرات من السنين إلى ما كانوا عليه، ولكن كانت الثورة أتت على كل ما يخشونه مما يوهن حركة الزياد عن ثمرات الثورة، أو يضيع الحقوق التي اكتسبت منها.
الأمر الذي نريد لفت النظر إليه في الثورة التركية أنها سمحت بتأسيس كلية لتعليم أصول الدين الإسلام ي، ومدارس أخرى لتخريج من يتولون التعليم الديني، ولكنها اشترطت أن يكون طلبتها ممن أتموا دراستهم الثانوية في المدارس الحكومية وحصلوا على شهادة الثقافة منها.
وأحسن من هذا وأعظم أثرا في خدمة الإسلام الحق وحماية الأمة من تسرب التعاليم الضارة إليها باسم الدين أن الحكومة التركية شرطت أن لا يطبع كتاب ديني ويدرس في المملكة التركية إلا بعد أن يعرض على مجلس النواب ليدرسوه ويتباحثوا فيه ويقروه.