أولاد جفنى حول قبر أبيهمو ... قبر ابن مارية الكريم المفْضل
يُغشوْن حتى ما تهرُّ كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبِل
بيض الوجوه أعفَّة أحسابهم ... شُمُّ الأنوف من الطراز الأول
ورفع الملك رأسه وهتف في صوت تتبين فيه مرارة اليأس والأسى:
- حسبك يا فتاة!
وخيم الصمت على المكان، وتعلقت بالملك عيون ندمانه وبطانته؛ وسلل القيان والغلمان واحدا اثر واحد ليهيئوا للملك وأصحابه خلوة ليست كما ألف الملك وألفوا من خلوات الأنس والسعادة. . .
وانحدر الملك على سريره ليقتعد الأرض، ووضع عن رأسه تاجه، وانحدر أصحابه عن كراسيهم وجلسوا بين يديه، وقد أيقنوا أن أمرا ذا بال يوشك أن يحدث أو يسمعوا نبأه. . .
ومضت فترة صمت قبل أن يبدأ الملك حديثه إلى نداماه من أشراف غسان ولحم وجذام؛ ثم نطق:
قد علمتم يا بني العم ما كان من أمر العرب والروم في هذه الأرض، فليس لأصحاب (هرقل) بعد اليوم مقام في الشام بعد أن غلبهم هؤلاء العرب النازحون من البادية على أرضهم وديارهم، وأجلوهم عن أركة، وتدمر، وحوران، وبصرى، ودمشق، واجنادين، وأذاقوهم الهوان عند (اليرموك) وفي حمص وتوشك أن تسقط في أيديهم حلب وقنسرين في الشمال، وبيت المقدس في الجنوب. .
وصمت الملك برهة، وهو يجيل عينيه فيمن حوله، ثم استأنف:
وقد علمتم يا بني العم ما كان لنا من الجاه والسلطان في هذه البقاع، حيث أقمنا لأبناء غسان في الشام عرشا لم يزل يتوارثه آباؤنا ملك عن ملك منذ قرون حتى آل إلينا، لا العرب من أبناء عمومتنا في المشرق يطمعون أن ينالوه، ولا الروم في الشمال؛ فكانت مملكة الغساسنه هي الحجاز بين العرب والروم، وهي لهؤلاء وأولئك سوق التجارة، وموئل السلام والحضارة، قد سالمنا العرب لأنهم اخوتنا في النسب، وشركاؤنا في التجارة، وسالمنا الروم لأنهم منا حيث علمتم من الحلف والمودة، قد رضوا منا بالإتاوة ندفعها كل عام إلى قيصرهم في القسطنطينية، وبالكتيبة من شبابنا يحاربون معهم تحت رايتنا إذا احتاجوا في