بعض حروبهم إلى المدد والمعونة؛ ولم يكن يدور في وهمي يا بني العم أن تسخر المقادير منا ومن حلفائنا الروم سخريتها هذه الأليمة؛ فنصبح ذات يوم لنرى عرب المشرق قد دخلوا علينا الشام من أقطارها وباتوا يهددون عرش الغساسنة وعرش قسطنطين في وقت معا؛ ولكن كل ذلك قد كان ولم يكن لنا لدفعه يدان!
قال كبير القوم:
وقاك الله يا مولاي وجنبك العوادي، أن بيننا وبين العرب ما نعلم من النسب، ومن حسن الجوار والمودة؛ وقد علمنا إلى ذلك انهم لم يطرقوا ديارنا غزاة ولا فاتحين، ولكنهم أهل دين يدعون إليه، وأصحاب كتاب يؤمنون بما فيه؛ قد آمنوا بموسى وعيسى ومحمد؛ فليس بينا وبينهم من أسباب الخصام إلا أن نؤمن بما آمنوا، وقد سبقناهم إلى النصرانية، حين كانوا غارقين في الوثنية يتعبدون لآلهة من طين؛ فلا علينا إذا سبقونا إلى الوحدانية وثبا أن نتبعهم ونؤمن بنبيهم؛ فإن ذلك خليق بأن يجتث بيننا وبينهم أسباب الخصام والعداوة، ولأن ندفع الإتاوة لملك عربي من أبناء عمومتنا في يثرب، خير من أن نكون خولا لقيصر الروم في القسطنطينية؛ وإني لآمل يا مولاي أن يكون جبلة بن الأيهم في الإسلام أعز سلطانا منه في الجاهلية ويتسلسل الغساسنة في أبنائك وأحفادك على عرش الشام إلى يوم الدين!
ورفت ابتسامة على شفتي الملك وهو يقول:
هو ما قلت يا أبن العم؛ وإنما بدأت الحديث معكم رجاء أن ننتهي إلى ذلك الرأي؛ فقد عزمت منذ اليوم أن اكتب إلى عمر، أمير المؤمنين في يثرب، اعلمه بذلك وأستاذنه في القدوم عليه مسلما. . .
- ٢ -
كان مقدم جبلة بن الايهم إلى المدينة يوما مشهودا، قد احتشد له الخلق من كل فج ليشهدوا موكب الملك الغساني في أبهته وسلطانه، قد لبس ثياب الوشى منسوجا بالفضة والذهب، وعلى رأسه تاج الغساسنة تتضوا خرزاته تحت الشمس، ويتدلى منه قرط مارية جدته الذي تتحدث به أمثال العرب، وقد تكنفه عن يمين وشمال، وأمام ووراء، خمسمائة من فرسان عك وجفنة، يلبسون مثله ثياب الوشى، وتلمع على رؤوسهم بيضاتهم، وتبرق مقابض