لمن الدار أقفرت بمعان ... بين أعلى اليرموك فالصمان
ولمعت دمعتان في عيني جبلة، ثم انحدرتا حتى توارتا في لحيته، واختلجت شفتاه أختلاجة هم واسى. قال له ضيفه العربي دهشا:
أتبكي يا جبلة وأنت من هذا النعيم فيما لا يخطر على قلب بشر؟!
قال جبلة وقد تتابعت عيناه:
هيهات هيهات يا أخي؛ تمنيت لو لم يكن كل هذا كان وعشت بين العرب واحدا من قومي!
قال صاحبه:
ويلطمك فزارى على انفك فيهشمه كما هشمت انفه!
ويلطمني فزارى على انفي أو يلطمني عمر؛ فذاك اعز لي من شتات داري وجوار غير أهلي. . .
ثم غلبه مدمعه، وحضرته أيشجانه؛ فراح ينشد:
تنصرت الأشرافُ من عار لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضررْ
تكتَّنفني منها لجاجٌ ونخوة ... وبعت لها العين الصحيحة بالعور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني ... رجعت إلى الأمر الذي قال لي عمر
وياليتني أرعى المخاض بقفرة ... وكنت أسيراً في ربيعة أو مضر
وياليت لي بالشام أدنى معيشة ... أجالس قومي ذاهب السمع والبصر!
- ٥ -
قال عمر، وقد عاد إليه رسوله من القسطنطينية فوصف له ما رأى وما سمع:
رجوت أن يشرح الله صدره للإسلام ويفئ إلى الخير؛ فهلا منيته - لو أناب إلى الله - بأن يكون في الإسلام عزيزا ممتنعا؟
أحسبه - يا أمير المؤمنين - أهلا للإنابة والفئ إلى الله، لو ضمن أن يكون له في الإسلام عرش وتاج، وان يزوجه أمير المؤمنين إحدى بناته ليكون له إلا الإمارة سبب!
فابتسم عمر وقال:
أما صهري فهو - والله - كفء؛ وأما الإمارة فوددت لو أنه علم أنها ليست مغنما يرجى ولكنها تكليف يفدح. اذهب إليه عن أمري فادعه إلى الحضور على شرطه!