للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تآخوا الروم في صميم بلادهم. . .

ووفد رجل من أصحاب عمر بن الخطاب إلى القسطنطينية ذات يوم رسولا إلى قيصر في شان مما يتراسل من اجله الملوك، فرغبت نفس الرجل في زيارة جبلة في قصره ذاك؛ فلم يزل يتلطف في الإذن حتى أذن له. . . فدخل إليه مجلسه. . . ورأى رجلا أصهب ذا سبال، وكان عهده بجبلة اسمر اسود اللحية والرأس؛ فلما نظر إليه أنكره، ثم عرفه ذلك أن جبلة دعا بسحالة الذهب فذرها في لحيته حتى عاد أصهب، وكان قاعدا على سرير من قوارير قوائمه أربعة اسود من ذهب. فلما عرف جبلة الرسول رفعه معه إلى السرير، وجعل يسأله عن المسلمين، وعن عمر، وعما فتح الله على المسلمين من البلدان والممالك، والرسول يجيبه عن كل ما يسال، وجبلة يسمع وشفتاه تختلجان، وعلى وجهه تتعاقب ألوان. . .

ثم أومأ جبلة إلى خادم بين يديه، فذهب مسرعا، وإذا خدم قد جاءوا يحملون الصناديق فيها الطعام، فوضعت، ونصبت موائد الذهب وصحاف الفضة، فأكل جبلة وأكل ضيفه، فلما رفع الطعام جئ بطاس الفضة وأباريق الذهب، فغسلوا أيديهم؛ ثم أومأ جبلة إلى خادم بين يديه، فمر مسرعا، وإذا خدم معهن الكراسي مرصعة بالجوهر، فوضعت عشرة عن يمينه وعشرة عن يساره، ثم اقتربت أصوات ناعمة، وإذا عشر جوار مطمومات الشعر متكسرات في الحلي عليهن ثياب الديباج لم ير مثل جمالهن ذو عينين، فأقعدن عن يمين الملك، ثم اقتربت أصوات ناعمة، وإذا عشر جوار أخرى، فأجلسن على الكراسي عن يساره، ثم سمع صوت رقيق فاتن، وإذا جارية كأنها الشمس حسنا، على رأسها التاج، وعلى ذلك التاج طائر ذو جناحين، وفي يمناها جامة فيها ماء ورد، فأومأت الجارية إلى الطائر، فطار عن رأسها حتى وقع في جامة ماء الورد، فاضطرب فيه لحظة؛ ثم أومأت إليه ثانية، فطار حتى نزل على صليب في تاج جبلة، فلم يزل يرفرف حتى نفض ما في ريشه من ماء الورد على التاج؛ وابتسم جبلة، ثم التفت إلى الجواري اللاتي عن يمينه، فأندفعن يتغنين: يخفقن بعيدانهن ويقلن من شعر حسان:

لله در عصابة نادمتهم. . . . . . . . . . . .

ثم التفت إلى الجواري اللاتي عن يساره، فإندفعن يتغنين:

<<  <  ج:
ص:  >  >>