وقتهم في مدارستها ويبنون المعاهد والمدارس لها. ثم لا يكون منهم مثل خالد أو عمرو أو عمر، ولا ينبغ فيهم مثل من نبغ من الأميين؟! لست أول من نادى بذلك الرأي، بل سبقني إليه الغزالي حجة الإسلام، وبرهن بما لا يقبل الشك على أن ما يسميه الناس علوم الإسلام ليست من الدين في شيء، وان معرفتها لا تقرب إلى الله قيد شعرة، وان عامة المسلمين اخلص عقيدة وأصفى قلبا واقرب إلى الله من علماء هذه العلوم. وفي الأثر ما يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعض أصحابه عن الجدال في الدين، والتنطع فيه، والخوض في النظريات التي أولها كلام وآخرها خصام، والسؤال عما لم يرد.
أقول أن الأمة أحوج إلى فهم علوم الدنيا من كيمياء وطبيعة ورياضة وطب وهندسة. . . الخ، لأنها علوم تعين على الحياة، وكسب الرزق، والقوة وفهم قدرة الله، وهو ما أمر الدين به، بل هذه العلوم مأمور بالبحث فيها بنص القرآن، وما من علم حديث إلا له آيات تحض على البحث فيه، مع ذكر شيء من مبادئه الأولى، حتى وقر في ذهن المسلمين منذ القدم أن القرآن الكريم حوى كل علم يمكن أن يبحث فيه السف أو الخلف، وفسروا قوله تعالى:(ما فرطنا في الكتاب من شيء) هذا التفسير. ولولا الإطالة لأحصينا في هذا المقال الآيات التي تحض وتأمر بالتعمق في العلوم الكونية أما ما يسمونه بالعلوم الدينية، بحسب الوضع الذي صارت إليه، فليس لها سلطان في الكتاب العزيز أو ماضي السلف الصالح، ولم يفد منها الإسلام إلا الضعف والتفرق والضياع. فيا ليت الذين أهملوا مؤلفات ابن الهيثم، وزيجات الخيام، وقانون ابن سينا، وبحوث بني موسى بن شاكر، ومسائل جبر الخوارزمي، ومستحدثات البيروني. يا ليت هؤلاء الذين ضيعوا هذا المجد وحاربوه وجروا وراء الفرق بين المعجزة والكرامة، والواجب والمندوب، والإجماع والقياس، والحيض والاستحاضة. يا ليتهم علموا أن العلوم الأولى اقرب إلى الله من الثانية، وادخل في الإسلام منها؛ إذا لما اصبح المسلمون عبيدا للأوربيين الذين وقعوا على ذخائر العرب فأنفسح أفقهم العقلي، ووصلوا إلى هذه المخترعات التي أثاروا بها الأرض وعمروها، وحددوا الأفلاك وفحصوها، وحللوا العناصر وركبوها، فدانت لهما الأمم، وعنت لهم الشعوب.
القرآن الكريم وهو الأصل المتفق عليه للإسلام، والمصدر القطعي الثبوت والدلالة، ما تعرض للبحوث التي سموها علوم الإسلام إلا لماما، حتى أن الصلاة وهي عماد الدين لم