مقرونا بالفلسفة المكونة للإنسان الجدير بلقب (الحكيم) فكل ما يعنيه هو شرف نفسه الذي يشترك فيه كل إنسان راق، والذي ينبع منه (شرف المهنة) أن كان لابد من هذه التسمية. ولعل إنصاف الأطباء بتلك الأصول الخلقية في ذلك الزمن واقتران دراستهم الطبية بالدراسة الفلسفية، وإطلاق كلمة الحكمة على كل ذلك، لعل ذلك هو الأصل الذي ينزع إليه إطلاق العامة لفظ (حكيم) على الطبيب.
وكان ابن التلميذ رئيس المستشفى العضدي ببغداد وقد فوض إليه الخليفة رياسة الطب فيها، فكان من شأنه الإشراف على الأطباء وإقرارهم على مزاولة المهنة بعد اختبارهم ومعرفة ما عند كل منهم فيها، وفي أحد مجالس الاختبار حضر شيخ له هيئة ووقار، ولم يكن عنده من صناعة الطب إلا التظاهر بها، وان كان له دربة يسيرة بالمعالجة، فلما انتهى السؤال إليه قال له أمين الدولة:
- ما السبب في كون الشيخ لم يشارك الجماعة فيما يبحثون فيه حتى نعلم ما عنده من هذه الصناعة؟
يا سيدنا، وهل شيء ما تكلموا فيه إلا وأنا اعلمه وقد سبق إلى فهمي أضعاف ذلك مرات كثيرة!
فعلى من كنت قد قرأت هذه الصناعة؟
يا سيدنا، إذا صار الإنسان إلى هذه السن ما يليق به إلا أن يسأل كم من التلاميذ له، ومن هو المتميز فيهم، وأما المشايخ الذين قرأت عليهم فقد ماتوا من زمان طويل.
يا شيخ، هذا شيء قد جرت العادة به ولا يضر ذكره ومع هذا فما علينا، أخبرني أي شيء قرأته من الكتب الطبية؟
سبحان الله العظيم. . . صرنا إلى حد ما يسأل عنه الصبيان! يا سيدنا، لمثلي لا يقال إلا أي شيء صنفته في صناعة الطب وكم لك فيها من الكتب والمقالات، ولا بد أن أعرفك بنفسي.
ودنا إلى أمير الدولة وقال له فيما بينهما:
اعلم إنني قد شخت وأنا أوسم بهذه الصناعة، وما عندي منها إلا معرفة اصطلاحات مشهورة في المداواة، وعمري كله أتكسب بها، وعندي أولاد، فسألتك بالله ألا تفضحني بين