لأدركت كل شيء عز مطلبه ... حتى الحقيقة في المعلول والعلل
كما تبدو الحكمة في قوله:
لا تحقرن عدواً لأن جانبه ... ولو يكون قليل البطش والجلد
فللذبابة في الجرح المعدّ يٌد ... تنال ما قصرت عنه يد الأسد
وله شعر في الألغاز، على طريقة عصره، وقد أحسن التعبير عن الميزان إذ قال لغزا فيه:
ما واحد مختلف الأهواء ... يعدل في الأرض والسماء
يحكم بالقسط بلا رياء ... أعمى يرى الرشاد كل رائي
أخرس لا من علة وداء ... يغني عند التصريح بالإيماء
يجيب إذ ناداه ذو امتراء ... بالرفع والخفض عن النداء
ومن بديع مدحه قوله:
لا يستريح إلى العلات معتذراً ... إذا الضنين رأى للبخل تأويلا
يبادر الجود سبقاً للسؤال يرى ... تعجيله عند بذل الوجه تأجيلا
وله مؤلفات كثيرة في الطب، وقد روى بعض المؤرخين نوادر تدل على حذقه في العلاج وصواب حدسه في معرفة الداء، منها أنه أحضرت إليه امرأة محمولة لا يعرف أهلها في الحياة هي أم في الممات، وكان الزمان شتاء، فأمر بتجريدها وصب الماء المبرد عليها صبا متتابعا كثيرا (كالدش) ثم أمر بنقلها إلى مجلس دفئ قد بخر بالعود والند، ودثرت بأصناف الفراء ساعة، فعطست وتحركت وقعدت، وخرجت ماشية مع أهلها إلى منزلها.
ومن ذلك أن دخل عليه رجل منزوف يرعف دما في زمن الصيف، فأمره أن يأكل خبز شعير مع باذنجان مشوي، ففعل ذلك ثلاثة أيام، فبرئ. وقال في تعليل ذلك: أن دم المريض قد رق ومسامه قد تفتحت، وهذا الغذاء من شأنه تغليظ الدم وتكثيف المسام.
وقد عمر أمين الدولة، إذ بلغ أربعا وتسعين سنة. ومن تجمله في كبره أن كان عند المستضيئ بأمر الله، فلما أراد القيام توكأ إلى ركبتيه، فقال له الخليفة: كبرت يا أمين الدولة، فقال: نعم يا أمير المؤمنين، وتكسرت قواريري. ففكر الخليفة في قوله هذا، وانه لا بد يقصد شيئا بتكسر القوارير. ثم علم أن الخليفة السابق كان قد وهبه ضيعة تسمى قوارير، وظلت في يده، ثم وضع الوزير يده عليها منذ ثلاث سنين. فتعجب الخليفة من