رسالة كتبها إلى ولده رضى الدولة، والمتأمل في حياته من خلال ما يروى عنه يراها تطبيقات على ما ضمته رسالته، قال فيها:
(وفز بحظ نفيس من العلم تثق من نفسك بأن عقلته وملكته لا قرأته ورويته، فإن بقية الحظوظ تتبع هذا الحظ المذكور وتلزم صاحبه، ومن طلبها من دونه فأما أن لا يجدها وأما أن لا يعتمد عليها إذا وجدها. ولا تثق بدوامها، وأعوذ بالله أن ترضى لنفسك إلا بما يليق بمثلك أن يتسامى إليه بعلو همته وشدة أنفته وغيرته على نفسه، ومما قد كررت عليك الوصاة به ألا تحرص على أن تقول شيئا لا يكون مهذبا في معناه ولفظه، ويتعين عليك إيراده، فأما معظم حرصك فتصرفه إلى أن تسمع ما تستفيده لا ما يلهيك ويلذ للأغمار وأهل الجهالة، نزهك الله عن طبقتهم. فإن الأمر كما قال أفلاطون الفضائل مرة والورد حلوة الصدر، والرذائل حلوة الورد مرة الصدر. وقد زاد ارسطو طاليس في هذا المعنى فقال: أن الرذائل لا تكون حلوة الورد عند ذي فطرة فائقة، بل يؤذيه تصور قبحها إذ يفسد عليه ما يستلذه غيره منها، وكذلك يكون صاحب الطبع الفائق قادرا بنفسه على معرفة ما يتوخى وما يجتذب كالتام الصحة يكفي حسه في تعريفه النافع والضار. فلا ترض لنفسك حفظك الله إلا بما تعلم أنه يناسب طبقة أمثالك، واغلب خطرات الهوى بعزمات الرجال الراشدين)
وهذا الأسلوب غريب في عصره الذي بدأ بوضع مثله السيئ ابن العميد الذي لم تختم به الكتابة كما قيل، بل ختمت بمن قبله ثم بعثت بابن خلدون.
ورسالة أمين الدولة المتقدمة أشبه بكتابة الأساتذة الأوائل كابن المقفع والجاحظ، فإنت تراه يركب التعبير مطهماً فارهاً إلى حيث يقصد. وبعض الكتاب يركبه التعبير فيتسكع به، وآخرون يركبون التعبير الهزيل فلا يصل بهم إلا مبهور الأنفاس.
ولأمين الدولة شعر جيد، قال في ولد له غير نجيب:
أشكو إلى الله صاحباً شكسا ... تسعفه النفس وهو يعسفها
فنحن كالشمس والهلال معا ... تكسبه النور وهو يكسفها
وتطل الفلسفة من خلال شعره إذ يقول:
لولا حجاب أمام النفس يمنعها ... عن الحقيقة فيما كان في الأزل