للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ودار الرسول كدور العرب الرقيقي الحال، التي كانت ولا زالت تبنى في الأنحاء المتواضعة من شبه جزيرة العرب، وقرى الشام، والعراق. فالدار عبارة عن حجرات ضيقة متراصة جنبا إلى جنب، وأمامها فناء مكشوف.

وقد بنى أولا الحجرتان المتجاورتان في الركن الجنوبي الشرقي من الفناء لعائشة وسوداء، لتكونا بمنأى عن مجلس الرسول وأصحابه في الناحية الشمالية من الفناء. ومساحة كل حجرة (٧ ٧) أذرع ينبت باللبن يكاد يسقفها الجريد تمسه اليد. ثم أضيفت الحجرات إليهما من الناحية الشمالية كلما زاد عدد أفراد الأسرة حتى بلغت ٩ حجرات. والحجرات جميعا تكاد تتفق في السذاجة، وخلوها من مظاهر الترف - اللهم إلا بيت عائشة كما سنبين بعد - فأثاثها حصير يستعمل للنوم، وقرب بها ماء أو عسل أو لبن معلقة على الجدران؛ ويحجب الحجرات عن الأنظار سجف من وبر أسود معلقة على أبوابها التي تفتح على الفناء.

والفناء مربع الشكل طول أحد أضلاعه ١٠٠ ذراعا (٥١ مترا)، بنى جدرانه - بالحجارة لارتفاع ٣ اذرع، ثم اكمل الجدار إلى سبعة باللبن (بالطوب الني وفتح فيه أربعة أبواب، باب الرسول في الشمال، وباب المؤمنين في الجنوب، وباب جبريل (باب عثمان) في الشرق، ثم باب عائكة (باب الرحمة) في الغرب، وقد تم البناء عام ٢هـ.

وكان يستعمل الفناء لأغراض الأسرة كالطبخ والغسل وتربية الماشية وما إليه. وليس في حكم المنطق ما يمنع من أن يستخدم الرسول وزوجاته والمؤمنين الجزء الشمالي من الفناء المواجه لبيت المقدس لأغراض دينية: كإقامة الصلاة في مواعيدها، وان يجلس الرسول إلى الناس يحدثهم في الدين ويناقشهم ويفصل في قضاياهم. ثم أن هذا الفناء أدى غرضا إنسان يا آخر: فآوى الفقراء من المسلمين تحت صفة (سقف) أقيمت لهم في الركن الجنوبي الغربي من الفناء، فسموا لذلك بأهل الصفة، وأجريت عليهم الأرزاق إلى بنى لهم دورا.

ولقد شكى المسلمون إلى النبي حرارة الشمس ساعة الصلاة فأقام لهم في الجهة الشمالية من الفناء سقفا من سعف النخل والخصف والأذخر، وغطى بطبقة من الطين يعتمد على قوائم وعوارض من جذوع النخل، ودام هكذا ١٦ شهرا.

ولما مكر اليهود بالنبي، ونزلت الآية الكريمة على رسول الله وهو قائم يصلي بالناس (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها، فول وجهك شطر المسجد الحرام

<<  <  ج:
ص:  >  >>