الأموي الوليد بن عبد الملك لعامله على المدينة عمر بن عبد العزيز، القاضي يهدم المنازل وضم أرضها إلى قباء المسجد، وروى ما شاهده من حزن الناس البالغ ونحيبهم على ضياع آخر آثر من آثار بيت الرسول وتمنوا لو بقى ليرى الخلف تقشف الرسول وقناعته.
وقد أرسل الخليفة إلى المدينة المال اللازم والرخام والفسيفساء والأخشاب وثمانين من العمال الروم والقبط من سوريا ومصر، فأزالوا البقايا القديمة من حجرات نساء النبي وبعض المنازل المجاورة وأقاموا بإشراف صالح بن كيسان المسجد الجديد من الحجر المنحوت، وحملوا سقفه على ٦ أعمدة في الاتجاه الشرقي الغربي و١٤ عمودا في الجهة الشمالية منها ١٠ أعمدة تشرف على الصحن و٤ أعمدة في الرواق وبلغت مساحته ٢٠٠ في ٢٠٠ ذراعا.
- ٢ -
الأذان للصلاة:
وكان المؤمنون يجتمعون إلى النبي للصلاة حين مواقيتها بغير دعوة، حتى إذا اكتمل عقدهم أقيمت الصلاة. على أن اشتغال الناس بأمور عيشهم قد يفوت عليهم وقت الصلاة أو يؤخرهم عن مواعيدها. . . وليس احسن من أن يؤذن في الناس كلما حلت فيأتون رجالا من كل فج عميق، ففكر في البوق الذي يدعو به اليهود لصلاتهم ولكنه كرهه فأمر بناقوس كناقوس النصارى ولكنه بعد مشورة عمر وطائفة من المؤمنين على رواية، وبأمر الله على لسان الوحي على رواية أخرى، عدل عن الناقوس أيضاً إلى الأذان - وقال لعبد الله بن زيد، (قم مع بلال فألقها عليه ليؤذن بها فإنه أندى صوتا منك) فارتقى بلال منزلا عاليا لامرأة من بني النجار كان بجوار المسجد، وصار يرسل الدعوة مع كل ريح بصوت ندى جميل:
هناك أذن للرحمن فامتلأت ... أسماع يثرب من قدسية النغم
وهكذا اصبح الأذان صفة لازمة للصلاة الجامعة، وصار لابد للمؤذن من مكان مرتفع في عمارة المسجد يدعو منه المصلين فلما اتخذ المسلمون المعبد الوثني في دمشق للصلاة كان له أبراج في أركانه الأربعة فأمر معاوية باتخاذها مآذن وهذه أول المآذن.