لم يكن لمسجد الرسول محراب يبين اتجاه القبلة، والمحاريب بالمساجد، إنما ظهرت بعد اتصال المسلمين بالمسيحيين والأخذ بفنونهم. والمحاريب المجوفة معروفة في كنائس المسيحيين قبل الإسلام، ولكن المحراب المسطح يغلب عليه الابتكار الإسلامي.
وقد كان المسلمون يتحرجون أن تبدو مساجدهم وعليها مسحة وثنية، أو يهودية أو مسيحية، أو أن تبدو مظاهر عبادتهم متفقة، في قليل أو كثير، مع مظاهر عبادات الأديان الأخرى، فحافظوا على شخصية الإسلام وطابعه المميز سواء في مخبره أو مظهره. وقد فطن المؤلفون العرب إلى إن المحراب متخذ من جبنيه الكنيسة فنسبوا إلى الرسول حديثا:(أن ظهور المحاريب التي تجعل المساجد تشبه الكنائس من علامات الساعة).
وكتب السيوطي رسالة سماها (أعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب) ويميل الآثاريون إلى الاعتقاد بأن المحراب الأول في الإسلام صنعه العمال الروم والقبط الذين أرسلهم عبد الملك بن مروان إلى المدينة لإعادة بناء المسجد النبوي أو ذلك الذي صنعه قرة بن شريك، عامل الوليد في مصر عام (٨٩ - ٩٦ هـ)(٧٠٩ - ٧١٥ م).
منبر النبي:
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما يخطب الناس وهو قائم مستند إلى أحد جذوع النخل التي تحمل سقف المسجد؛ إلا أن هذا الأمر لم يدع طويلا فصنع له منبر خشبي من ثلاث درجات ووضع في صدر حائط القبلة، وكان النبي وقت الخطبة يجلس على الثالثة العليا ويضع أرجله على الثانية، وكان أبو بكر يجلس على الثانية ويضع أرجله على الأولى، إشعارا للناس بهيبة الراحل العظيم، وإقرارا في نفوسهم بأنه هو خليفته ومهما بلغ به التعظيم والتكريم فلن يبلغ مبلغه. ولقد يظهر أن للرجل فكرة دينية تخفى تحت هذا التصرف. . . فقد كانت حركة الردة على اشدها، ومدعوا النبوة في كل واد يهيمون، يؤلبون الناس على الإسلام، فخشي أن يتطلع الناس إليه على أنه صورة ثانية من الرسول فيطالبونه بما لا يستطيعه من وحي أو حديث، فيضطرب الأمر وتفشو الفتنة، أو لعل له هدفا سياسيا فالقوم يعلمون أن الرسول لا ينطق عن الهوى، وانه على خلق عظيم، فأراد