للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصديق أن يقر في نفوسهم بأنه لا يتلقى وحيا، وان الخطأ جائز عليه فلا يمكن أن يقاس برسول الله على كل حال.

هذا التواضع وهذه السياسة قد ورثها عمر بن الخطاب فخطب الناس وهو جالس على العتبة الأولى للمنبر وجعل رجليه على الأرض إلا أن عثمان بن عفان لم يجد ما يدعوه إلى الجلوس مكان عمر، ولا مكان أبو بكر، وليس لديه ما يمنع جلوسه مكان النبي نفسه. ولا شك بأن إغفال سنة سلفية وصعوده الدرجات إلى مكان النبي أمام الناس قد هزت الناس هزات نفسية عنيفة، لها معزاها في سير الحوادث أيام عثمان.

ومنبر النبي مكرم بحديث الشريف (ما بين منبري وبيني روضة من رياض الجنة).

والمنبر إنما هو كرسي مرتفع أدخل في المسجد للنبي ليكفيه عناء الوقوف مدة إلقاء الخطبة. وقد كان المنبر معروفا في العمائر المسيحية، وكان في كنائس الروم والقبط يجلس عليه القساوسة لإلقاء الوعظ حتى استغنى عنه بالمذبح. ولقد هذب الإسلام من هيئته على مر العصور وأضفى عليه من روحه بما جعل له مغزى وطابعا إسلاميا مميزا وعالجه المفتنون حتى أخرجوه تحفة لها مقامها الكريم بين منتجات الفن الرفيع.

- ٣ -

لم تكن يثرب غارقة في البداوة حتى لا يظهر بها اثر من الفن أو الصنعة فوجود اليهود بها - وهم أهل تجارة وحيلة في جلب المال - مما يرجح وجود الفنون بها. وقد كان في حجرة عائشة - رضي الله عنها - بعض التماثيل مما يتلهى به فتيات العرب وستور محلات بالصور يفسره حديث السيدة عائشة قالت: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترن سهوة في بقرام فيه تماثيل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلون وجهه، وقال: يا عائشة! أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله، قالت: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين). وجاء في ربيع الأبرار للزمخشرى في حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت:

(قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك وفي سهوتي ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لي فقال: ما هذا؟ قلت: بناتي، ورأى بينهن فرسا له جناحان، قال: فرس له جناحان؟ قلت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ فضحك حتى بدت

<<  <  ج:
ص:  >  >>