للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سبعين ألفا؛ وبعدئذ أمر من بقى من المسلمين الذين لم ينجوا من القتل إلا ليقعوا في استعباد مخيف، أن يدفنوا الأجساد المشوهة لأصدقائهم وإخوانهم، فاخذوا ينقلون - وهم يبكون - هذه الجثث خارج بيت المقدس، وساعدهم في ذلك بعض الصليبيين الذين دخلوا المدينة أخيرا، فلم يظفروا بكثير من الأسلاب، واخذوا يبحثون عن بعض الغنائم بين الموتى). وقال ابن الأثير في تاريخه الكامل (ج١٠ص١١٧) وقتل الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارق الأوطان، وجاور بذلك الموضع الشريف، واخذوا من عند الصخرة نيفا وأربعين قنديلا من الفضة وزن كل قنديل ثلاثة آلاف وستمائة درهم، واخذوا تنورا من الفضة وزنه أربعون رطلا بالشامي، واخذوا من القناديل الصغار مائة وخمسين قنديلا ومن الذهب نيفا وعشرين قنديلا، وغنموا منه ما لا يقع عليه الإحصاء).

خرج المستنفرون بعد سقوط بيت المقدس إلى بغداد، فحضروا في الديوان وقطعوا شعورهم، واستغاثوا وبكوا، وقام خطيبهم في الديوان، فأورد كلاما أبكى العيون واوجع القلوب، وقاموا بالجامع يوم الجمعة، فاستغاثوا وبكوا وابكوا، وذكروا ما دهم المسلمين بذلك المكان المعظم؛ من قتل الرجال وسبي الحريم والأولاد ونهب الأموال، ولكن الخليفة لم يكن في يده من الأمر شيء بل كان يعتمد على السلاجقة، فأرسل على عجل ثلاثة رجال من حاشيته إلى السلطان بركياروق وأخيه محمد، وقد كانا معسكرين يتقاتلان عند حلوان، وتوسل إليهما أن يتركا ما بينهما من النزاع، وان يسيروا إلى العدو المشترك. غير أن هذا النداء لم يجد أذنا مصغية، فسرعان ما كان الإخوان يقتتلان تاركين الفرنج يؤسسون لهم ملكا ببلاد الإسلام. ولم يصغ أحد إلى تلك الصيحة التي أرسلها الشاعر:

مزجنا دماء بالدموع السواجم ... فلم يبق منا عرضة للمراجم

فإبهاً بني السلام أن وراءكم ... وقائع يلحقن الذرا بالمناسم

أتهويمة في ظل أمن وغبطة ... وعيش كنوَّار الخميلة ناعم

وإخوانكم بالشام يضحي مقيلهم ... ظهور المذاكي أو بطون القشاعم

تسومهم الروم الهوان وأنتم ... تجرون ذيل الخفض فعل المسالم

وتلك الحروب من يغبْ عن غمارها ... ليسلم يقرع بعدها سن نادم

<<  <  ج:
ص:  >  >>