الذي واجهه في بلاد العرب مستميتاً في كفاحه، مستبسلاً في نضاله، مضحياً بكل ما لديه، ومع ذلك استطاعت الجيوش المصرية تحت قيادة إبراهيم أن تتغلب على قوات الثوار بالرغم من تأييد الشعوب الأوربية لها.
ويعود إبراهيم من حرب اليونان ليستعد لخوض أعظم مرحلة في كفاحه الحربي الطويل، وليسطر أروع الصفحات لا في تاريخه العسكري فحسب، بل في التاريخ العسكري في القرن التاسع عشر.
عاد إبراهيم ليخوض الحرب ضد جيوش السلطان نفسه، فتسقط على يديه مدينة عكا الحصينة، ثم يهزم العثمانيين بعد ذلك في دمشق، ثم يستولي على حمص وحلب، ويقضي على الجيش العثماني في بيلان، ثم ينتصر انتصاراً حاسماً في قونيه، ويتوغل في بلاد الأناضول حتى يصل إلى كوتاهيه، وينزل السلطان مضطراً على شروط الصلح، وعند ذلك تبدأ عبقرية إبراهيم كإداري في الظهور، فيلتفت إلى بلاد الشام لتنظيمها من جديد ولانتشالها من الفوضى والانحلال.
ويعود السلطان إلى دس الدسائس وتحديه، فيتقدم إبراهيم إلى جيش السلطان، ويقابل قائده حافظ باشا في نصيبين، وتبدأ الموقعة ولا تستمر سوى ساعتين حتى كان القائد العثماني قد ركن مع جيشه إلى الفرار.
هذه نظرة عامة نلقيها على حياة إبراهيم التي ملئت بالكفاح والنضال، حتى إذا أنعمنا النظر قليلاً راعتنا عبقريته الحربية وأيقنا أنه لم ينجح هذا النجاح إلا بعد أن أتخذ له من الخطوات ما هو كفيل بتسجيله.
لم يحارب إبراهيم أعداءه فقط بل كان وهو في بلاد العرب يحارب ضد الصحراء المترامية بما فيها من جبال وهضاب وكثبان وأعاصير طالما اقتلعت الخيام فتركت الجند في العراء يصلون حر نهارها الشديد وبرد ليلها القارس. وفي بلاد اليونان حارب ضد الجبال المرتفعة والأنفاق الضيقة والوديان العميقة، والعدو خبير بذلك كله معتصم به وبالجزر المنتشرة في ذلك البحر، تحيط بها أمواجه فتحميها وتحميه وتنتشر بينها قراصنته حتى تترصد العدو لترديه. وكذلك حارب في هضبة الأناضول وفي فصل الشتاء، وحدثت موقعة فونيه ودرجة الحرارة فوق الصفر بقليل.