للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كان ذلك في الحادي والعشرين من شهر يونية سنة ١٨١٨ م حين كان أحد الجنود يوقد النار فأطارتها العاصفة على معسكر الجيش فاندلعت إلى خيمة منصوبة على قرب من مستودع الذخيرة فاحترقت الخيمة وامتدت نارها إلى المستودع فانفجر لساعته ونسف ذلك الانفجار من القنابل والرصاص ما ذهب بنصف ذخيرة الجيش، ودب الذعر، واختل النظام، وكاد الموقف الرهيب يودي بالحملة كلها. فالجيش يحاصر الدرعية عاصمة الوهابيين، وصحراء نجد تحيط به من جميع الجهات، والعدو يتنبه على صوت الانفجار فيتهيأ لانتهاز الفرصة وتجديد الهجوم.

ولكن إبراهيم يقابل خبر الكارثة وحرب الطبيعة بصر رحب وثبات عجيب، وينظر لمن حوله من القواد والجند نظرة الواثق من الفوز، المتأكد من النصر، ثم يقول في صوت هادئ عميق: (لقد فقدنا كل شيء، ولم يبق لدينا إلا شجاعتنا فلنتدرع بها، ولنهاجم العدو بالسلاح الأبيض)!

وكان ذلك في يوم ١٧ مايو سنة ١٨٢٥ حين تمكنت بعض سفن اليونانيين من الاقتراب من ميناء مودون حيث كانت بعض سفن أسطول إبراهيم راسية، واستطاعت الحراقات اليونانية خلسة إشعال النار في سفينة من تلك السفن المصرية، وكانت الريح شديدة، فاندلعت النار إلى باقي السفن، وتعذر إطفاؤها ولم ينج بحارتها إلا بعد عناء شديد، وخسر إبراهيم معظم سفنه في هذا الحريق، وامتدت النار إلى المدينة، فتناولت مخازن البارود فنسفتها أيضا؛ ومع أن إبراهيم كان يشدد حصاره على المدينة في ذلك الحين، فقد تقبل ضربة الطبيعة وغضبها بنفس الروح التي تقبل بها ضربتها أمام الدرعية، واستمر يقاتل أمام أسوار مودون حتى استولى عليها.

أما بعد، فهذه بعض المواقف التي تجلى فيها ثبات إبراهيم أثناء حروبه، ذلك الثبات الذي كان له أكبر الأثر في تغيير مجرى الحوادث وإظهار عبقرية إبراهيم كقائد حربي ممتاز.

كمال السيد درويش

مدرس بمدرسة الرمل الثانوية وعضو الجمعية التاريخية

لخريجي جامعة فاروق

<<  <  ج:
ص:  >  >>