إلى ولده كتاباً بخط القاضي الفاضل يقول فيه إن هذا الشهاب السهروردي لا بد من قتله، ولا سبيل إلى أن يطلق أو يبقى بوجه من الوجوه. ومن قائل: إنه عندما حضر إلى حلب أفتى علماؤها بإباحة قتله، بسبب اعتقاده، وما ظهر لهم من سوء مذهبه، وكان أشد الجماعة عليه الشيخان: زين الدين ومجد الدين ابنا حميد فحبسه الظاهر ثم قتله بإشارة والده.
ويختلفون في طريقة قتله، فقال بعضهم: قتل خنقاً، وقال آخرون: إنه اختار أن يترك في مكان منفرد، ويمنع من الطعام والشراب، حتى يلقى الله تعالى، ففعل به ذلك. وقال بعضهم: إنه قتل وصلب أياماً. والذي أرجحه من ذلك رواية ابن شداد من أن الظاهر قبض عليه لما بلغه من خبره، ثم عرف السلطان به، فأمر بقتله فقتله، وكان ذلك سنة ٥٨٧ وسنه نحو ستة وثلاثين عاماً.
لم اقرأ كتب الشهاب كلها حتى أستطيع تحديد آرائه المخالفة لآراء الجمهور. ويبدو أن اندفاعه في إبداء أفكاره من غير تقييد لها كان سبب هذا القتل؛ فقد قال له العلماء: إنك قلت في بعض تصانيفك: إن الله قادر على إن يرسل نبياً، وهذا مستحيل. فقال: ما وجه استحالته؟ فأن الله القادر لا يمتنع عليه شيء. فلم يفرق لسائليه بين الممكن في حد ذاته، والممكن الذي أخبر القرآن بأنه لن يقع.
واتهموه بانحلال العقيدة والتعطيل، واعتقاد مذهب الحكماء المتقدمين. ولكن ما أثر عنه ينفي ذلك، فقد رووا من دعائه قوله: اللهم يا قيام الوجود، وفائض الجود، ومنزل البركات، ومنتهى الرغبات، منور النور، ومدبر الأمور، واهب حياة العالمين، أمددنا بنورك، ووفقنا لمرضاتك، وألهمنا رشدك، وطهرنا من رجس الظلمات، وخلصنا من غسق الطبيعة إلى مشاهدة أنوارك، ومعاينة أضوائك ومجاورة مقربيك، وموافقة سكان ملكوتك، واحشرنا مع الذين أنعمت عليهم من الملائكة والصديقين، والأنبياء والمرسلين). واثر عنه مناجاة جاء فيها: (إلهي وإله جميع الموجودات: من المعقولات والمحسوسات، يا واهب النفوس والعقول، ومخترع ماهيات الأركان والأصول، يا واجب الوجود، ويا فائض الجود، يا جاعل القلوب والأرواح، ويا فاعل الصور والأشباح، يا نور الأنوار، ومدبر كل دوار، أنت الأول الذي لا أول قبلك، وأنت الآخر الذي لا آخر بعدك. الملائكة عاجزون عن إدراك جلالك، والناس قاصرون عن معرفة كمال ذاتك. اللهم خلصتا عن العلائق الدنية