الجسمانية، ونجنا من العوائق الردية الظلمانية. أرسل على أرواحنا شوارق أنوارك، وأفض على نفوسنا بوارق آثارك. العقل قطرة من قطرات بحار ملكوتك، والنفس شعلة من شعلات نار جبروتك. ذاتك ذات فياضة، تفيض منها جواهر روحانية، لا متمكنة ولا متحيرة ولا متصلة ولا منفصلة، مبراة عن الأحياز والأين، معراة عن الوصل والبين، فسبحان الذي لا تدركه الإبصار، ولا تمثله الأفكار. لك الحمد والثناء، ومنك المنع والعطاء، وبك الجود والبقاء، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء واليه ترجعون).
والظاهر أن نسبته إلى التعطيل جاءت من إنه كان يرى رأي المعتزلة الذين لا يرون الصفات شيئاً خارجاً عن الذات، وهو يقول عن ذلك في كتابه: هياكل النور: (والصفة لا تجب بذاتها وإلا ما احتاجت إلى محلها، فواجب الوجود ليس محلاً للصفات ولا يجوز إن يوجد في ذاته صفات. فإن الشيء الواحد لا يتأثر عن ذاته. ونحن إذا تصرفنا في عقولنا يكون الفاعل شيئاً والقابل شيئاً آخر. فواجب الوجود واحد من جميع الوجوه؛ ولكن ليس معنى هذا نفي الصفات عن واجب الوجود. وقد اثبت لله هذه الصفات؛ إذ قال في هياكل النور: (وله من كل متقابلين أشرفهما، وكيف يعطى الكمال من هو قاصر؛ وكل ما يوجب تكثيراً من تجسيم أو تركيب ممتنع عليه تعالى، والحق لا ضد ولا ند له، ولا ينتسب إلى ابن، وله الجلال الأعلى، والكمال الأتم، والشرف الأعظم، والنور الأشد: ليس بعرض فيحتاج إلى حامل يقوم به وجوده، ولا بجوهر فيشارك الجواهر في حقيقة الجوهرية، ويفتقر إلى مخصص دلت عليه الأجسام باختلاف هيئاتها. فلولا مخصصها لما اختلفت أشكالها ومقاديرها وصورها وأعراضها وحركاتها. وما أوردناه من مناجاته ودعائه، وما قدم به كتابه هياكل النور يدل على أنه يثبت لله صفات الكمال الأسمى. . . . .
والشهاب يسير في إثبات وجود واجب الوجود، وما هو عليه من كمال على طريق الفلاسفة الذين يعتمدون على الدليل العقلي؛ كما ترى ذلك في كتابه المشارع والمطارحات (ص١٢٧) وكتابه هياكل النور.
لست ادري كيف نسبوه إلى الإلحاد وما أوردناه من كلامه لا يدل على الحاد ولا زندقة؟ وكيف نحكم بالإلحاد على رجل يقول:(فوحد الله، وأنت بتعظيمه ملآن، وأذكره وأنت من ملابس الأكوان عريان، ولو كان في الجود شمسان، لانطمست الأركان)؛ ويثبت وحدانية