والأهازيج الموضوعة من أجل إغاظته وإزعاجه ما يندى له جبين الفضيلة والأخلاق كقولهم له:
أبو خليل النشواتي ... يا مزيف البنات
ارجع لكارك أحسن لك ... إرجع لكارك نشواتي
أبو خليل مين قال لك ... على الكوميدى مين دلك
ارجع لكارك أحسن لك ... إرجع لكارك قباني
أبو خليل القباني ... يا مرقص الصبياني
ارجع لكارك أحسن لك ... أبو خليل القباني
وكانت هذه الأهازيج تقض مضجعة ومضجع مر يديه، ولكن من ذا الذي يعارض ويدافع عنه وهو مجفو من السلطان والناس في مثل هذه الساعات يظهرون معاداتهم لمثل من يكون هذا شأنه معهم؟
وكان القباني كثيراً ما يبقى شارد النوم موزع الفكر واللب من جراء ما يلقاه إلى أن أخذ يفكر في الخروج من هذا المحيط الضيق الذي ضيقوا عليه فيه واسعاً. وفي ليلة من ليالي الشتاء العابس نبا به مضجعه وند النوم عن مقلتيه لشدة ما عراه من الفكر والهواجس؛ وما أكثر الليالي الطوال التي كان يشرد فيها النوم عن عينيه! وكان قد رنق النوم أجفانه في الفجر فهب بعد ساعتين من هجعته على أثر سماع هاتف خيل إليه إنه يهيب به قائلاً: أيها الراقد المتناوم المؤرق هب من ضجعتك واطرد عنك الهم والحزن، فأن مستقبلاً لامعاً يعد لك وهو ينتظرك في غير هذى البقعة الضيقة. . . قم وأبحث عن غير هذه المواطن التي تدفن فيها العبقريات:. . .
إذا ضاق صدرك من بلاد ... ترحل طالباً أرضاً سواها
فإنك واجد أرضاً بأرض ... ونفسك لم تجد نفساً سواها
فخف على أثر سماعه صوت الهاتف وجعل يخطر في غرفته ذهاباً وإياباً ويصيح بملء صوته: وجدتها وجدتها. . .
فصاحت به ربة الدار حانقة غاضبة ومن هي التي وجدتها يا رجل. . .؟ كفاك كفاك هراء، لقد أمرضتني والله وأزغت عقلي بهذه الموجات الجنونية التي تواتيك الفينة بعد الفينة لا