للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فحواها طار فرحاً، وجعل يمر بها على أصدقائه ويزف لهم بشرى شخوص هذا النابع إلى الديار المصرية، وكانت شهرته قد بلغت مسامع الكثيرين من المصريين. ولم تكن فرحة صديقه بالتي تذكر أمام فرحة هؤلاء المشتاقين من هواة الفن الذين يرغبون في أجتلاء طلعة هذا النابع الذي طبقت شهرته الآفاق. وفي الحال أجابه صديقه التاجر الحمصي يزين له المجيء إلى الإسكندرية، وأفهمه أن القطر المصري في انتظار قدومه وفي انتظار الخطوة في مشاهدة روائع فنه. وكان على أهبة السفر ساعة أتاه الجواب بلزوم الهجرة إلى القطر العزيز (بوتقة) العبقريين، إذ ما من فنان أو مشرد طريد من بلاده مضطهد أمها إلا لقي في هذا القطر أهلاً يحضنونه ويحدبون عليه، وأنا أعرف كثيراً من الفنانين الطريدين الذين أنكرتهم بلادهم قد بسم لهم دهرهم على جنبات هذا الوادي الخصيب وكانوا من ألمع الشخصيات في فنهم. . .

لم يأخذ القباني معه أسرته ولم يأخذ معه جوقته إلى الديار المصرية يوم نزح إليها مهاجراً مشرداً طريداً كما ترى. . . بل ذهب بمفرده، وكان سرور القوم به عظيماً جداً، وما أستقر قدمه في الإسكندرية حتى خف إليه عشاق فنه من كل صوب، وبلغ من شهرته أن غدت الوفود المهنئة تفد إليه من القاهرة، وكان مغتبطاً مسروراً بما لقي من ضروب الكرم وحسن الوفادة

وأخيراً حبب إليه عشاق الفن أن يؤم القاهرة ويفتح بها مسرحاً. وهناك أقاموا له مسرحاً في الأزبكية، فاستقدم على الفور كبار رجالات جوقته من دمشق وأخذ يزاول العمل بهة لا تعرف الملل والكلل، ثم أستقدم أفراد أسرته وسكن القاهرة ناسياً بما لقيه من تشجيع وتنشيط كل ما لقيه في دمشق من ذل ومهانة. .

وكان التمثيل مجهولاً في هذه البلاد التي قطنها، ولذا أقبل أهلها على مشاهدة رواياته إقبالاً منقطع النظير، وعاد إليه حظه الباسم وحياته المرحة. ومن أشهر رواياته التي فتن المصريون بها رواية عنترة، أنس الجليس، ناكر الجميل، (متريدات) (عفيفة) ملتقى الخليفتين، (الكوكبين) (الأمير محمود) (السلطان حسن) (أسد الشري) (لويسا) وغيرها من الروايات التي سحر الناس بها، وزيادة في الافتتان بهذه الروايات طبعها عازفو فضله وتعاورتها الأيدي، وأمست شغل الناس الشاغل. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>